بقلم..عبد الحافظ الصاوي
الصكوك الإسلامية منتج مالي متاح في الأسواق المالية الإقليمية والعالمية منذ سنوات، إلا أنه عندما طُرح في عهد الرئيس الشهيد د. محمد مرسي، قابلته الدولة العميقة بأجهزتها المختلفة بحملة تشويه، حتى إن القانون رقم 10 لسنة 2013 الذي نظم عمل الصكوك الإسلامية على مستوى الحكومة والشركات بعهد د. محمد مرسي، تم إلغاؤه بعد انقلاب 3 من يوليو 2013.
وإن كانت حكومة السيسي في 2014 أجرت تعديلًا على اللائحة التنفيذية لقانون رأس المال رقم 95 لسنة 1992، ووضعت فيه كل ما يتعلق بإصدار الصكوك الإسلامية، مع بعض التعديلات غير الجوهرية، وكان إلغاء قانون الصكوك مجرد مكايدة سياسية، حتى لا يكون هناك تشريع يحمل توقيع د. محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب، أو وجود آلية تمويل ينسب العمل بها إلى تشريع صدر بعهد ثورة 25 يناير .
في عهد د. مرسي وجهت تُهم إلى حكومته عند إصدار قانون الصكوك، بأنه سيتم بيع أصول مصر عبر آلية الصكوك، وأنها الآلية التي ستسيطر بها قطر وتركيا على الاقتصاد في مصر، ولكن بعد 6 سنوات من الانقلاب العسكري بقيادة السيسي، أعلنت هيئة الرقابة المالية بمصر عن اقتراب صدور أول تعامل على الصكوك الإسلامية لصالح شركة تتبع قطاع الأعمال العام بنحو 50 مليون دولار، وأن مصرف أبو ظبي الإسلامي، هو من سيشرف على طرح الصكوك، وثمة ترتيب آخر يتعلق بالصكوك تقوم على أمره هيئة الرقابة المالية ويخص شركة عقارات بنحو 5 مليار جنيه مصري.
وحسب تقرير واقع الاقتصاد الإسلامي العالمي لعام 2019/2020، قدرت قيمة سوق الصكوك الإسلامية على مستوى العالم بنحو 466 مليار دولار، في حين قدرت الأصول الرأسمالية للمالية الإسلامية بشكل عام بنحو 2.2 تريليون دولار في 2018، ويقدر أن تتزايد في 2024 لتصل إلى 3.2 تريليون دولار.
إهدار الفرصة
أهدر السيسي فرصة كبيرة على مصر، بإلغاء قانون الصكوك الإسلامية، وعدم تفعيله لتدبير احتياجات مصر التمويلية بعد انقلاب 3 يوليو، وهُرع إلى الاستدانة من الخارج حتى بلغت الديون الخارجية لنحو 108 مليار دولار، وزادت الديون المحلية لنحو 4.2 تريليون جنيه، ليتجاوز الدين العام نسبة 124% من الناتج المحلي الإجمالي.
فضلًا عن فوائد الديون التي تثقل كاهل الموازنة العامة للدولة، والتي أصبحت أكبر مخصص في الإنفاق العام بمصر، حيث بلغ في موازنة 2019/2020 نحو 569 مليار جنيه، وهو رقم قابل للزيادة في ظل السياسة التوسعية للتمويل بالديون.
ولكن لماذا فضل السيسي الديون على الصكوك الإسلامية، لأن السيسي عبر استخدام آلية الديون ليس مطالبًا بالإفصاح المالي سواء بالنسبة إلى الحكومة أو مشروعاتها العامة، التي أهدر فيها مليارات الدولارات، بينما في الصكوك فهو مطالب أن يقدم قوائم مالية ويلتزم بسداد الأرباح من عوائد المشروعات التي تمول من الصكوك، وقبل ذلك لابد من تقديم دراسات جدوى تقنع المكتتبين في الصكوك بشرائها، وهو الأمر الذي يفتقده نظام السيسي، وعبر عنه في خطابه، بأنه لو اتبع الأسلوب العلمي لدراسات الجدوى ما نفذ 25% من مشروعاته.
كان التمويل عبر الصكوك الإسلامية، سيساعد مصر على بناء اقتصاد حقيقي، لأن التمويل سيكون على مشروعات حقيقية، إنتاجية كانت أو خدمية.
والأمر الآخر أنه كان سيعفي مصر من هذه التركة الثقيلة من الديون، لأن حملة الصكوك سيكونوا شركاء في المشروعات الإنتاجية والخدمية التي اشتروا الصكوك الخاصة بها، وبالتالي لا تتحمل الموازنة العامة، أو الأجيال المقبلة سداد الأقساط والفوائد، ولكن ستكون القاعدة الحاكمة هي "الغنم بالغرم".
لماذا لجأت مصر للصكوك؟
دخلت مصر دوامة القروض بالشكل الذي ينبيء أنها لن تخرج منه في الأجلين القصير والمتوسط على الأقل، فهي تصدر سندات دولية بنحو من 7 – 10 مليارات دولار، لسداد التزاماتها،وأخيرا صرح محمد معيط وزير المالية المصري "إن مصر تدرس ثلاثة طروح سندات في السنة المالية الحالية 2019-2020، وذلك لسندات خضراء وإسلامية وذات عائد متغير"، أي خلال نحو 6 أشهر فقط ستطرح مصر هذه النوعيات من أدوات الدين الخارجي.
وعلى الرغم من أن مصر كان أمامها منذ عام 2013 الاستفادة بشكل كبير من التمويل الإسلامي عبر آلية الصكوك، إلا أن الإدارة الاقتصادية والسياسية السيئة أدت للجوء إلى الديون والبعد عن الصكوك، ثم بعد مضى كل هذه الفترة، تلجأ حكومة السيسي للصكوك بغية التخفف من أعباء الديون التي ورطت فيها مصر، حتى بلغت مخصصات الفوائد فقط على الديون ما يزيد على مخصصات التعليم والصحة والاستثمارات الحكومية العامة.
فضلًا عن أن باب الدعم الذي كان يُقدم للسيسي من قبل دول الخليج تأثر أخيرا بسبب استمرار أزمة انهيار أسعار النفط في السوق الدولية، ولجوء دول دعم الثورات المضادة نفسها للاقتراض من الخارج.
ومن الأمور التي جعلت حكومة السيسي تفكر في استخدام آلية الصكوك، أن البورصة المصرية في حالة شديدة السلبية، حيث تعاني من تراجعت متتالية بسبب حالة الركود في الاقتصاد المصري، وكذلك عجز السيولة، ولم تجد الحكومة الفرصة لطرح الشركات والمؤسسات العامة في البورصة، حسب ما هو متفق عليه مع صندوق النقد الدولي.
وما يدلل على صحة عدم جاهزية البورصة، أن شركة "سياف" التي من المقرر أن تصدر أول صكوك إسلامية في مصر، هي شركة قطاع أعمال عام، تعمل في مجال التأجير التشغيلي والتمويلي في مجال خدمات الطيران. وكانت الشركة مطلع 2018 أعلنت عزمها طرح 30% من رأس مالها بالبورصة، ولكنها في سبتمبر أيلول 2018، غيرت اتجاه بوصلتها نحو زيادة رأس المال عن طريق البورصة، وتقديم أوراق لهيئة الرقابة المالية للحصول على موافقة بإصدار صكوك إسلامية بنحو 50 مليون دولار.
أضف تعليقك