كشف تحقيق استقصائي أعدته وكالة "رويترز" أن الإمارات أنشئت وحدة تجسس على الإنترنت والهواتف في العام 2008، بمساعدة مسؤولين سابقين في المخابرات الأمريكية، وإشراف نجل ولي عهد أبوظبي "خالد بن محمد بن زايد".
وحصلت "رويترز" على آلاف الوثائق بشأن وحدة التجسس تلك تغطي أنشطتها خلال الفترة الممتدة بين عامي 2008 و2018، والتي شملت الكثير من المهام القذرة ضد معارضين ودبلوماسيين وحتى قادة دول.
وحسب تلك الوثائق، فإن الوحدة التجسسية حملت اسم "Dread"، وهي اختصار لـ”Development Research Exploitation and Analysis Department“؛ أي “قسم استغلال وتحليل بحوث التنمية”، وساعد في إنشائها المنسق الوطني الأمريكي الأسبق للأمن وحماية البنية التحتية ومكافحة الإرهاب “ريتشارد كلارك”.
وأشارت إلى أن مشروع وحدة التجسس تلك انطلق من مطار مهجور في أبوظبي، وتطور المشروع تدريجيا عبر عقود سخية مع المتعاقدين الأمريكيين.
وكانت الوحدة ذراعا لديوان ولي العهد الإماراتي “محمد بن زايد”.
وفي 2009، طور القائمون على الوحدة برنامجا قادرا على سرقة ملفات ويندوز ونقلها إلى خوادم تحت سيطرة ولي عهد أبوظبي.
لكن بعد الربيع العربي في 2011، تغيرت أهداف الوحدة خشية وصول الاحتجاجات إلى الإمارات لتبدأ ملاحقة المعارضين وقيادات “الاتحاد الدولي لكرةالقدم” (فيفا) والأمم المتحدة ومجموعات حقوق الإنسان، وحتى قادة دول.
وبشأن الأنشطة القذرة لتلك الوحدة، ذكرت “رويترز” أنه بين عامي 2012 و2015، بدأت الإمارات باختراق حكومات برمتها.
ويذكر التحقيق في هذا الصدد، أنه بعد فوز قطر في 2010 بشرف استضافة كأس العالم لعام 2022، اخترقت الامارات في 2014 حسابات وهواتف قيادات فيفا وقطر؛ بهدف الكشف عن أية معلومات يمكن أن تلحق الضرر بعملية تسمية الدوحة كفائزة بحقوق الاستضافة.
وذكر من بين المسؤولين القطريين، الذي استهدفتهم الوحدة، شقيق أمير قطر الشيخ “محمد بن حمد”، وأمين عام اللجنة المسؤولة عن تنظيم قطر للمونديال “حسن الذوادي”، والمسؤول في اللجنة المنظمة “خالد الكبيسي”، ومسؤولة الاتصال السابقة “فديرة المجد”، والعضو السابق في فيفا “محمد بن همام”، وكبير مستشاري ملف الدوحة لاستضافة المونديال “أحمد نعمة”.
أما المستدفون من مسؤولي “فيفا” في الاتحادات القارية والفرعية فجاء من بينهم: النائب السابق لفيفا “جاك وارنر”، والعضوان السابقان في اللجنة التنفيذية بفيفا “جاك أنوما” و”أموس أدامو”، والرئيس السابق للاتحاد الأفريقي لكرة القدم “عيسى حياتو”.
ووفق الوثائق التي حصلت عليها “رويترز”، سمت الإمارات عمليتها التجسسية على المسؤولين القطريين و”فيفا”، لنشر تقارير صحفية ضارة بقطر اعتبارا من 2014، بـ”التحدي الوحشي”، وخطط لها المسؤول السابق في المخابرات الأمريكية القومية “كريس سميث”.
وتضمنت عملية التجسس الاماراتية على مونديال قطر إرسال رسائل “فيسبوك” فيها رابط لموقع يسمى “worldcupgirls” حال الضغط عليه يؤدي لزرع برنامج تجسسي في حاسوب الشخص المستهدف.
وبخلاف ملف مونديال قطر، تسللت وحدة التجسس الإماراتية إلى حسابات “جوجل” و”فيسبوك” و”ياهو” و”هوتميل” وغيرها بهدف سرقة تاريخ التصفح للضحايا، ومن بينهم معتقل الرأي الإماراتي “أحمد بن غيث السويدي”؛ حيث تم الاستيلاء على وثائق، من بينها وثيقة تضع كل أملاكه باسم زوجته بسبب خشيته من حصول شيء له.
كما تم استخدام وحدة التجسس تلك في ملاحقة ناشطين سعوديين، ومن بينهم الناشطة السعودية “لجين الهذلول”.
ففي 2017، تم اختراق بريدها الإلكتروني قبل اعتقالها وتسليمها للسعودية وفق موظف سابق في وحدة التجسس الإماراتية.
واستخدم القائمون على الوحدة اسم “السيف الأرجواني” كاسم مستعار للجين الهذلول أثناء مراقبتها وقبل اعتقالها وتسليمها في طائرة خاصة للسلطات السعودية.
كذلك، تجسست الإمارات، عبر “Project Raven (مشروع ريفين)، على مكاتب الأمم المتحدة في نيويورك، وشمل ذلك دبلوماسيون من دول تعتبرهم خصوما لها. وأقرت الأمم المتحدة بوقوع عمليات تجسس بالفعل من فريق اماراتي.
وذكر تحقيق “رويترز” أن وحدة التجسس الإماراتية تمكنت في عام 2017 من التسلل لهواتف رجال إعلام وصحافة، وقادة أجانب بينهم أمير قطر الشيخ “تميم بن حمد”.
وتبرأ عدد من الأمريكان الذين ساعدوا في إنشاء وحدة التجسس تلك، وقالوا إنها انحرفت من غرضها المشروع لمحاربة الإرهاب، إلى أغراض أخرى قذرة.
ومن هؤلاء “كلارك”، الذي قال في مقابلة، إن المشروع كان هدفه في الأساس مكافحة الإرهاب، وخاصة تنظيم “القاعدة”، وتم بموافقة من وزارة الخارجية الأمريكية ووكالة الأمن القومي الأمريكية. لكنه تحول إلى أداة تجسسية لمن تراه الإمارات خطرا عليها في أنحاء العالم.
على النحو ذاته، قال أحد مؤسسي المشروع “بول كيرتز” إنه “شعر بالاشمئزاز عندما قرأ تقارير رويترز السابقة عما فعلته أبوظبي بالبرنامج الذي كان يهدف لحمايتها من الهجمات الإرهابية”.
وحول علاقة “ريتشارد كلارك” و”محمد بن زايد”، أشار تحقيق “رويترز” إلى أنها بدأت عام 1991 مع الحرب على العراق.
إذ قدم “بن زايد” لـ”كلارك” الترخيص لاستخدام الأجواء الاماراتية لقصف العراق، كما قدم مليارات الدولارات لدعم المجهود الحربي الأمريكي في ذلك الوقت.
ولتتبع تطور وحدة التجسس الإماراتية، درست “رويترز” أكثر من 10 آلاف وثيقة، وأجرت مقابلات مع أكثر من 10 متعاقدين وعملاء استخبارات ومطلعين حكوميين سابقين لديهم معرفة مباشرة بالبرنامج. وتشمل المستندات التي استعرضتها “رويترز” مذكرات داخلية تصف لوجستيات المشروع وخططه التشغيلية وأهدافه
أضف تعليقك