لا أظن أن الجنرال ضياء رشوان الذي يجمع بين منصبي رئيس الهيئة للاستعلامات، ذات الطبيعة المخابراتية، ونقيب الصحافيين المصريين، كان يصدّق تلك المشاهد التي تكفل بمهمة كتابة السيناريو الركيك لها، وأشرف على إخراجها وتصويرها، ثم توزيعها.. تلك المشاهد التي صوّرت سجون طرة مزرعة سعيدة، يقضي فيها نزلاؤها أجمل أيام العمر.
كما لا أظن أن الجنرال عبد الفتاح السيسي، ومعاونيه، يصدّقون هذا الهراء المصنوع على عجل، استباقًا لعرض الملف المصري الخاص بحقوق الإنسان أمام الأمم المتحدة.. لكنها الرغبة في"الاستحمار" التي تتملك هذا النظام، وتجعله يتوهم أن مثل هذه المشاهد يمكن أن تمر على جمهور الداخل الواقع أمام فوهات إعلامٍ سامٍّ يسقي مشاهديه الأكاذيب عنوًة، أو أن تحدث أثرًا في اجتماعٍ أممي، في لحظةٍ بات معها العالم لا يشغل نفسه كثيرًا بما يدور في مزارع الاستبداد السعيدة، في مصر والمنطقة.
كانت قوات الأمن المركزي تحاصر مسكن الشابة الصغيرة، رضوى، التي لمعت في فضاء "السوشيال ميديا" على نحو خاطفٍ وسريع، من خلال إطلالاتٍ بسيطةٍ تنتقد فيها الظلم والقهر والفساد في البلاد، في اللحظة التي كان فيها رئيس الوفد المصري يتحدّث عن إنسانية النظام الذي يمثله واحترامه الحريات السياسية والاجتماعية، أمام جلسة المراجعة الدولية الثالثة لملف مصر في مجلس حقوق الإنسان في جنيف.
ذهبت رضوى إلى المجهول في جحيم مزرعة السيسي السعيدة، بعد قرار حبسها 15 يومًا بالتهمة الوحيدة في مصر الآن "مشاركة جماعة إرهابية أهدافها وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي".
رضوى، مثل الآلاف من المحبوسين من مختلف التيارات والفئات العمرية والمستويات الاجتماعية والثقافية، تدفع ثمنًا لتلك اللحظة التي سكت فيها قطاع واسع من المعارضة المصرية على فرض وتعميم مبدأ "هو لا يستحق السجن لأنه ليس من الإخوان" إذ كان ذلك، وكما قلت قبل أربع سنوات، الكلمة المفتاح في دراما التعايش مع الظلم والقمع بمنتهى الأريحية، كونها تمنح السلطة صكّ تأييدٍ لانتهاك حريات كل من تصنفه السلطة إخوانيًا وحقوقهم.
بمعنى آخر، كان ذلك هو الحبل الذي ارتضت أطيافٌ من المعارضة أن تلفّه حول رقابها، وتمنح السلطة فرصةً هائلةً لكي تبرّر كل انتهاكاتها وجرائمها بأنها تحمي المجتمع من الإخوان المسلمين، والذين يلتقون معهم، بغير ترتيب، في المعارضة، والتي صارت مرادفًا للإرهاب وتقويض الاستقرار وهدم الوطن.
قبل ذلك، لم يجد نظام عبد الفتاح السيسي أدنى رفض أو احتجاج على تصنيف رافضي انقلابه بأنهم "جماعة إرهابية"، بل وجد تأييدًا لهذه الخطوة الاستئصالية من مجموعات وأفراد، تم افتراسهم فيما بعد بهذا التصنيف، حيث وجدت السلطة ضالتها في اعتماد هذا المبدأ الفاشي العنصري، فاستدارت تلتهم الجميع، وتزجّ كل من يعارضها في السجون، لأنه يشارك "جماعة إرهابية" تحقيق أهدافها، ليصبح الكل مشاريع سجناء إن هم عبرّوا عن أي شكل من المعارضة والرفض للسياسات الحالية.
وهكذا، باتت كل أشكال الاحتجاج والمعارضة والنقد دليلًا كافيًا لاتهام أصحابها بأنهم تابعون للإخوان، أو على الأقل عملاء متعاونون معهم، بدءًا من رئيس الأركان السابق، سامي عنان، وحتى نائب أول رئيس لسلطة الانقلاب محمد البرادعي، مرورًا بحمدين صباحي ومعصوم مرزوق ويحيى القزاز، وقبل ذلك القيادي في حركة الاشتراكيين الثوريين، هيثم محمّدين، وحازم عبد العظيم ووائل عباس، وآلاف من الناشطين السياسيين، داخل الزنازين وخارجها، ليس آخرهم حسن نافعة وخالد داود وحازم حسني وإسراء عبد الفتاح ورضوى، إذ كلهم، بحسب التصنيف المعتمد لدى أجهزة نظام السيسي، إرهابيون وخونة وطابور خامس، ينفذون تعليمات الإخوان.
والوضع كذلك، لن يبدأ الطريق إلى الحرية إلا بالتمرّد على هذا القيد الذي قبلت القوى السياسية أن يوضع في رقبتها ويدها، إذ لم يعد التطوّع بوصلات الهجوم على الإخوان يكفي للنجاة من دخول المزرعة السعيدة.
أضف تعليقك