بقلم: د. أحمد عبد العزيز
والتعريض (كما يقول اللغويون) خلاف التصريح، يُقال: عَرَّضْتُ لفلان وبفلان: إذا قلتَ قولا وأنت تَعْنيه. ومنه المعاريضُ في الكلام، وهي التَّوْريَةُ بالشيء عن الشيء.
لقد جاءت، على هذا المنوال، كلمة شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، التي ألقاها بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، مساء 7 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، بحضور عبد الفتاح السيسي، وأركان نظامه، وشخصيات أخرى، استعان بها في انقلابه على الرئيس المنتخب، الراحل محمد مرسي رحمه الله.
ولا أبالغ إذا قلت إن كلمة شيخ الأزهر، جاءت استجابة لرسالتي المفتوحة التي وجهتها إليه، في 20 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، عبر صفحتى على الفيسبوك، وأعادت نشرها مواقع كبرى. وكنت قد بدأتها بقولي: "... ورغم اختلافي مع فضيلتك، في كثير من القضايا، فقد اخترت أن أوجه رسالتي إليك.. ليس باعتبارك شيخ الأزهر الموظف، ولكن باعتبارك الإمام الأكبر.. إمام المسلمين، كما يعتقد المسلمون في مصر، وربما في العالم [...] ومن أبسط حقوق المسلم على إمامه، أن يحفظ عليه دينه وآدميته، فلا يُسْلمه لظالم يمارس عليه أحط وأبشع صنوف العذاب، فيفتنه في دينه، أو يُفقده عقله، أو يحيله جثة هامدة، فما بال فضيلتك، إذا كان المضار والمظلوم امرأة!!
وفي صُلب الرسالة، عرضت جانبا من تقرير منظمة "نحن نسجل" الحقوقية، تناول أشكال الانتهاكات التي تعرضت، وتتعرض لها النساء الأسيرات في سجون الانقلاب.
ثم ختمت رسالتي بقولي: "إن بناتك وحفيداتك (يا فضيلة الإمام) يتعرضن لكل ما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه، من حطٍ، وإهانةٍ، وكسرٍ، وإذلالٍ، لا لشيء سوى أنهن عبرن (بسلمية مطلقة) عن رفضهن للوضع المزري في مصر، ولا أظن أن فضيلتك راضيا عنه.. أدرك قواريرك يا فضيلة الإمام، فكثير منهن أصبحن حُطاما".
ولم يُخيّب شيخ الأزهر ظني، فجاءت كلمته قوية، ملأى بالإشارات التأنيبية للسيسي، الذي خالف كل ما جاء في وصايا الرسول (صلى الله عليه وسلم) للبشرية في حجة الوداع، والتي اقتبس الشيخ الطيب فقرات منها في كلمته، على سبيل التعريض؛ لإدانة الانتهاكات الجسيمة التي تجري في مصر.
"أيها الناس!
إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، وإنكم ستلقون ربكم فيسألُكم عن أعمالكم. ألا هل بلَّغتُ. اللهم فاشهد. واعلموا أن الصدور لا تَغُلُّ (أي: لا تخون في قليل ولا كثير)".
غير أن الحال في مصر مختلف كليا..
فالدماء فيها تراق، والأرواح تُزهق، بأحكام قضاء مُسيَّس!! وبتوقيع مُفتٍ باع دينه بدنياه!! بل وبدون محاكمة، بانتهاج أسلوب التصفية الجسدية.
والأموال التي تُصادر يوميا، بحجة أن أصحابها يدعمون "الإرهاب"!!
وأما الخيانة، فقد خان السيسي رئيسه المنتخب، وحنث بيمينه!!
"أيها الناس!
اسمعوا قولي واعقلوه:
ألا لا تظلموا، ألا لا تظلموا، ألا لا تظلموا
ثم قال: ألا أخبركم من المسلم؟
المسلم من سَلِم الناس من لسانه ويده، والمؤمن من أَمِنه الناس على أموالهم وأنفسهم".
تشديد في النهي عن الظلم، وليس أظلم من السيسي، في عصرنا هذا!!
ولم يسلم مسلم عامل لإسلامه من بطش السيسي، ولا لسانه الذي أعاره لأحمد موسى، وعمر أديب، وأمثالهما!!
"ولم ينس ? في آخر خطبته، عميدة الأسرة (يعني المرأة)، فصرخ في المسلمين صرخته الخالدة: اتقوا الله في النساء".
وفي هذا التعريض، تأنيب واضح للسيسي، على الانتهاكات التي تتعرض لها النساء الأسيرات في سجونه!!
"ويستحيل لمجتمع ينشد الاستقرار، أن يستوي على سوقه، إلَّا إذا ارتكز على هذه الحرمات الثلاث: حرمة الدم، وحرمة الملكية الفردية الخاصة، وحرمة الأسرة والعِرض والشرف.. ولسنا في حاجة إلى التذكير (والألمُ وخيبةُ الأملِ يعتصران القلوب اعتصارا) بأن أمة هذا الدستور الخالد هي أولُ مَن خرج عليه واستهان بحرمته وضرب به عرض الحائط".
حرمة الملكية الفردية الخاصة التي لم تسلم من عدوان السيسي!
حرمة الأسرة، والعرض والشرف التي انتهكها السيسي!
اتهام واضح للسيسي بأنه "ضرب عرض الحائط، بوصية الرسول ?حيثارتكب كل نقيض لها!!
"ثم حذَّر ? من الظلم، وكرر التحذير منه في خطبته ثلاث مرات، وذلك لأثره التدميري على الأفراد والدول والمجتمعات، وقد حذَّر القرآن الكريم منه في مائة وتسعين آية، كما حذَّر منه النبي ? في سبعين حديثا من أحاديثه الشريفة".
يكرر الشيخ إدانته للظلم، ويُحذِّر من ممارسته!
"ثم ختم? خطبته التاريخية بقوله: "وإني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلُّوا أبدا كتاب الله وسُنَّة نبيِّه. ثم قال: فما أنتم فاعلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت. قال: اللهم فاشهد".
أي أن مرجعنا الكتاب والسنة، وليس هلوسات السيسي، من عينة: "متسمعوش كلام حد غيري"!!
وكان لافتا للنظر، أن السيسي ظل يدوِّن ملاحظاته أثناء إلقاء الشيخ كلمته، وظني أنها ستكون مادة تأنيب مضاد من السيسي للطيب.
أضف تعليقك