بقلم قطب العربي
\لم يكن تقرير فريق خبراء الأمم المتحدة المعني بالقتل خارج نطاق القانون هو أول مؤشرعلى ضلوع نظام السيسي في قتل الرئيس الراحل محمد مرسي في محبسه يوم 18 حزيران (يونيو) الماضي، وإن كان هو المؤشر الأعلى صوتا، والأكثر مصداقية كونه صادر من فريق خبراء محايدين تابعين للأمم المتحدة يمارسون عملهم بمهنية تامة، وبعيدين كل البعد عن التأثر السياسي، وقد صدر التقرير في الأيام الأخيرة لعمل السيدة إجنيس كالامارد المفوضة الخاصة لمتابعة قضايا القتل خارج نطاق القانون في الأمم المتحدة قبل أن تغادر المنظمة الدولية.
ظروف سجن وحشية
تقرير الأمم المتحدة تضمن دلائل قوية عن ضلوع نظام السيسي في قتل الرئيس مرسي بشكل عمدي، وأن نظام السجون في مصر الذي أدى إلى موت مرسي يضع صحة وحياة آلاف المعتقلين في السجون في خطر شديد.
وكانت كلمات رئيس فريق خبراء الأمم المتحدة، إجنيس كالامارد شديدة الوضوح حين قالت إن الرئيس مرسي اعتقل في ظروف لا يمكن وصفها إلا بأنها وحشية، خصوصًا خلال سنوات الاعتقال الخمس في مجمع سجن طرة".
رفع الدعاوى في كل الأحوال سيحفظ الحق لأسرة الرئيس وللشعب المصري كله في ملاحقة القتلة وعدم السماح لهم بالإفلات من العقاب مهما طال الزمن
وأكد التقرير أن المنظمة الدولية استلمت أدلة ـ موثوقة ـ من عدة مصادر على أن آلاف المعتقلين الآخرين قد يعانون من مخالفات كبيرة لحقوقهم الإنسانية، وأن العديد منهم يواجهون خطر الموت".
امتلأ التقرير أيضا بالعديد من المؤشرات على القتل العمد مع سبق الإصرار للرئيس مرسي من قبل نظام السيسي، ومن ذلك أن مرسي كان يقضي 23 ساعة يوميًا في حبس انفرادي، ولا يُسمح له بلقاء آخرين أو الحصول على كتب أو صحف، وأنه لم يحصل على العناية اللازمة كمريض سكر وضغط دم، وفقد تدريجيًا الرؤية بعينه اليسرى وعانى من إغماءات متكررة، وأن هناك تحذيرات أممية متكررة وصلت إلى النظام المصري عن خطورة ظروف احتجازه دون أن يهتم بهذه التحذيرات، وهو ما يتكرر مع باقي السجناء الذين يعانون ظروفا قاسية تشكل خطرا على حياتهم.
ناشطة تستحق الثناء والتقدير
تستحق السيدة كالامارد المدافعة الشرسة عن حقوق الإنسان التحية على تقريرها الذي أصدرته رغم تعرضها لضغوط لمحاولة منعها من ذلك، أو على الأقل تخفيف لهجته إلى أدنى قدر ممكن، ورغم أن فريق الخبراء دعا في تقريره إلى إجراء تحقيق مستقل ونزيه في القتل خارج نطاق القانون للرئيس مرسي? وآخرين توفوا في الحبس منذ عام 2013، إلا أن الأمين العام للأمم المتحدة غوتيرش وهو شخص ضعيف ومهزوز لن يفعل ذلك على الأرجح لخضوعه لإملاءات الدول النافذة في الأمم المتحدة.
كالامارد التي وصفتها شبكة"ifex" العالمية لحرية التعبير بأنها "بطلة جريئة، ومدافعة صلبة عن حقوق الإنسان بصفة عامة، والحق في حرية التعبير والإعلام بصفة خاصة، حرصت أن تختتم حياتها في المنظمة الدولية بهذا التقرير الكاشف، وهي التي سبق أن أصدرت من قبل ـ وللمفارقة في اليوم التالي مباشرة لوفاة الرئيس مرسي ـ تقريرا يحمل النظام السعودي المسؤولية عن مقتل الكاتب الصحفي جمال خاشقجي. وقد جاء تقريرها عن وفاة الرئيس مرسي بعد مراسلات عديدة مع وزارتي الخارجية والداخلية ومكتب النائب العام في مصر وكذا أسرة الرئيس مرسي، ومحاميهم، وقد أشارت في ثنايا التقرير إلى عدم تجاوب السلطات المصرية في الكثير من الحالات، وإخفائها العديد من المعلومات بشكل متعمد وهو ما وفر دلائل جديدة على ضلوعها في قتل الرئيس.
السؤال الآن.. ماذا بعد صدور هذا التقرير؟ وهل يمكن تحريك قضايا جنائية دولية ضد النظام المصري بناء عليه؟
متابعة النظام المصري قضائيا
بطبيعة الحال هذا هو عمل المحامين الخاصين لأسرة الرئيس مرسي التي حرصت على الإمساك بالملف، ولم تمنح تفويضا لأحد حتى الآن بالتحرك نيابة عنها، وربما يفسر هذا هجوم بعض النشطاء الحقوقيين الذين كانوا يسعون لاحتكار هذا التفويض، وعلى الأرجح سيتم توظيف هذا التقرير بالفعل في رفع قضايا سواء في الولايات المتحدة الأمريكية التي يتمتع إثنان من أبناء الرئيس الشهيد بجنسيتها، أو في دول أوروبية أخرى، ولكن ليس متوقعا ان يصدر حكم قضائي عاجل بإدانة السيسي، فالأمر سيستغرق وقتا في إجراءات التقاضي، وسيحتاج إلى توفر بيئة دولية مناسبة، ولكن رفع الدعاوى في كل الأحوال سيحفظ الحق لأسرة الرئيس وللشعب المصري كله في ملاحقة القتلة وعدم السماح لهم بالإفلات من العقاب مهما طال الزمن، وقد شهدنا كيف تم ملاحقة مجرم الحرب الزعيم الصربي رادوفان كارديتش، (مجرم مذبحة سربرينتسا في تموز / يوليو 1995 والتي قتل فيها 8 آلاف مسلم) والذي أصدرت محكمة الجنايات الدولية الخاصة في 20 آذار / مارس 2019 حكمها النهائي بحبسه 40 عاما.
لقد تمكن كاراديتش من الهرب، واختفى عن الأنظار لفترة طويلة متخفيا في ثياب رثة وبلحية بيضاء وشعر أبيض، وبطاقة هوية مزيفة، لمدة ربع قرن عمل خلالها كطبيب (في الطب البديل) باسم مستعار(دراغان باييتش) حتى تم القبض عليه عام 2008، وأحيل لاحقا للقضاء الذي ظل يتداول قضيته حتى صدور الحكم النهائي.
صورة أخرى لملاحقة الطغاة ما حدث مع الرئيس التشيلي أوغستو بينوشيه، والذي انقلب على الحكم الديمقراطي في بلاده عام 1973، وظل يحكم تشيلي حكما عسكريا لمدة 17 عاما، قتل خلالها وعذب آلاف التشيليين، وقد تم وضعه تحت الإقامة الجبرية بعد القبض عليه تمهيدا لمحاكمته وبدأت بالفعل إجراءات المحاكمة غير أنه فارق الحياة نتيجة فشل عملية جراحية في القلب هي التي أنقذته من حكم الشعب الذي خرج محتفلا بموته.
إن ما حدث مع كاراديتش وبينوشيه وغيرهما من الطغاة هو المصير الذي ينتظر عبد الفتاح السيسي قاتل مرسي وآلاف المصريين، مهما طال الزمن.
أضف تعليقك