بقلم ممدوح الولي
يرتبط استمرار تواجد الاستثمارات الأجنبية بنوعيها، المباشر وغير المباشر (المسمى باستثمار الحافظة)، في أي بلد؛ بتوافر الاستقرار السياسي والأمني، خاصة في الدول الناشئة ومنها مصر، حيث أدى استحواذ الحزب الوطني الحاكم بمصر على أغلبية كاسحة في الانتخابات البرلمانية في كانون الأول/ ديسمبر 2010، والتي شكك الكثيرون بنزاهتها، وما أعقبها من ثورة شعبية، إلى زيادة معدلات خروج الاستثمارات الأجنبية من مصر.
حيث زادت قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة الخارجة من مصر، من مليار دولار في الربع الثاني من عام 2010، إلى 1.5 مليار دولار بالربع الثالث، ثم إلى 1.7 مليار دولار بالربع الأخير من العام. واستمر معدل قيمة الخروج يتزايد خلال فصول عام 2011 عام الثورة المصرية وما واكبها من اضطرابات، لترتفع قيمتها إلى ملياري دولار بالربع الأول من 2011، ثم إلى 2.2 مليار دولار بالربع الثاني وإلى 2.3 مليار بالربع الثالث، كما استمرت في الارتفاع إلى 2.8 مليار دولار خلال الربع الثاني من عام 2012، وبعد تسلم أول رئيس مدني منتخب للحكم عادت مسيرة قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى التراجع.
ولم يقتصر التراجع المواكب للنتائج البرلمانية والثورة المصرية؛ على زيادة قيمة خروج الاستثمار الأجنبي المباشر، بل واكبه أيضا انخفاض متواصل بأرصدة مشتريات الأجانب لأذون الخزانة المصرية، لتنخفض أرصدتها من حوالي 65 مليار جنيه في أيلول/ سبتمبر 2010، إلى أقل من 8 مليار جنيه بنهاية عام 2011 واستمر الانخفاض، حتى بلغت الأرصدة 776 مليون جنيه بنهاية عام 2012، أي أقل من المليار جنيه.
زيادة خروج الأموال غير المشروعة
وواكب ذلك أيضا ما أعلنته منظمة النزاهة المالية الدولية، من زيادة التدفقات المالية غير المشروعة من مصر إلى الخارج خلال تلك الفترة، لترتفع من 2.1 مليار دولار عام 2010 إلى 5.2 مليار دولار عام 2011، ولأكثر من خمسة مليارات دولار عام 2012.
وفى ضوء ما سبق يمكن تفسير ما حدث مؤخرا من الصعود الملحوظ لقيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة من مصر خلال الربع الثاني من العام الحالي، والمواكب للاستفتاء على التعديلات الدستورية التي تتيح للحاكم الاستمرار بمنصبه حتى 2030، وما أثير حول عدم نزاهة نتائجه، لترتفع قيمة الاستثمارات الخارجة إلى 2.2 مليار دولار، مقابل 1.2 مليار دولار بنفس الربع من العام الماضي، بزيادة 77 في المئة.
وكانت تلك التدفقات الخارجة من مصر قد زادت وتيرتها خلال النصف الثاني من العام الماضي، مع استمرار اضطراب الأحوال السياسية والأمنية، واستمرت تلك الزيادة بقيمتها خلال النصف الأول من العام الحالي.
ويتوقع استمرار ذلك الارتفاع خلال النصف الثاني من العام الحالي، بسبب مظاهرات العشرين من أيلول/ سبتمبر الماضي وزيادة المخاطر السياسية، وهو ما تأثرت به مشتريات الأجانب من أذون الخزانة المصرية، التي تراجعت وتيرة مشترياتها منذ شهر شباط/ فبراير من العام الحالي واستمرت في تراجعها خلال الشهور التالية، ثم تحولت المشتريات إلى مبيعات خلال شهرى آب/ أغسطس وأيلول/ سبتمبر الماضيين.
خروج 37 مليار دولار خلال 6 سنوات
وتجيء زيادة قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال النصف الأول من العام الحالي، متأثرة بذكريات نهب المحلات التي حدثت خلال أحداث الثورة المصرية أواخر كانون الثاني/ يناير 2011، حين تم نهب وحرق متجر مدينة السلام التابع لمجموعة ماكرو العالمية، والذي كان يخدم 186 ألف تاجر تجزئة، مما أدى لخروج الشركة من مصر بعد أربع سنوات فقط من عملها.
وكذلك تم نهب فرعي كارفور في المعادي بالقاهرة وبالإسكندرية، ونهب وحرق مول أركاديا المكون من 540 محلا و80 وحدة سكنية وثلاثة أدوار للمكاتب الإدارية ومنطقة ملاهي، إلى جانب تضرر بعض فروع البنوك والكثير من واجهات المحلات التجارية، خاصة الزجاجية منها.
وهكذا بلغت قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة الخارجة من مصر خلال العام المالي 2018/2019، المنتهي بنهاية حزيران/ يونيو الماضي 7.7 مليار دولار، مقابل 5.4 مليار دولار بالعام المالي الأسبق، بزيادة 42 في المئة.
وتمثل الاستثمارات الأجنبية المباشرة الخارجة بالعام المالي الأخير أعلى قيمة لتلك الاستثمارات الخارجة خلال السنوات الست الماضية من حكم النظام العسكرى بمصر، بل أعلى من قيمة الاستثمارات الخارجة بالعام المالي الأول للنظام العسكرى (2013/2014)، والذي شهد إعلان حظر التجول بعد مذبحة رابعة العدوية، ومسارعة السياح والأجانب بالخروج من البلاد، ووقف حركة القطارات لفترة، حيث بلغت حينها 6.8 مليار دولار.
وخلال السنوات المالية الست الأخيرة لم تقل قيمة الاستثمارات الخارجة بأي سنة منها عن 5.4 مليار دولار، وبلغ مجمل تلك الاستثمارات الخارجة في السنوات الست 37.2 مليار دولار.
ولقد أدى حجم تلك الاستثمارات الأجنبية المباشرة الخارجة إلى تراجع صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر لمصر، والذي يمثل الفرق بين قيمة الاستثمارات الداخلة للبلاد والخارجة منها، وهو الصافي الذي بلغ بالعام المالي الأخير 5.9 مليار دولار، مقابل 7.7 مليار دولار بالعام المالي السابق، بنسبة تراجع 24 في المئة، ليستمر في الانخفاض للعام المالي الثاني على التوالي.
وما زالت الاستثمارات الأجنبية المباشرة الداخلة لمصر يهيمن عليها قطاعي النفط والغاز الطبيعي، والتي تستحوذ على أكثر من 70 في المئة من الاستثمارات الداخلة، لينخفض النصيب النسبى للاستثمارات المتجهة إلى قطاعات الصناعة والزراعة والخدمات، مما يؤدي لضعف إسهام تلك الاستثمارات الداخلة في زيادة المعروض من السلع والخدمات، وبالتالي التأثير في استقرار الأسعار، إلى جانب ضعف مساهمتها في تخفيف حدة مشكلة البطالة.
أضف تعليقك