بقلم..عامر شماخ
فى أقل من أسبوع رأينا طريقتين جديدتين للإعدام فى المحروسة؛ الصعق بكهرباء الأعمدة المكشوفة، والدهس بالقطار؛ غير طرق أخرى عديدة لإعدام المصريين قام بها نظام (شبه الدولة) خلال الست سنوات الماضية.
قُتل -بالإهمال- عدة مواطنين، معظمهم أطفال، صعقتهم أعمدة الإنارة بعدما أغرقتها الأمطار، وصدمنا مشهد إخراج طفلة من الماء بعد الصعق، وانتظرنا إجراء تحقيق مع من تسببوا فى القتل فلم يحدث، وانتظرنا إجراءات لعلاج الإهمال وإيجاد حلول للمشكلة المزمنة فلم نسمع أو نر شيئًا، وأخيرًا أجبر «كمسارى» شابين على النزول من القطار وهو يسير بسرعة 70 كم، فلقى أحدهما حتفه وقُطعت رجل الآخر؛ ليطل علينا وزير النقل -عسكرى- لائمًا الضحية، مبررًا ما فعله القاتل، مختصرًا قيمة المصرى فى مائة ألف جنيه، وتفضُّل (سيادته!!) بزيارة أهل القتيل لتقديم واجب العزاء!!
سيظل المصرى بلا قيمة، وروحه كروح نملة ما لم يصل صوته إلى هذا النظام الفاشى، وما لم يثبت أنه مخلوق مُكرَّم وأنه ليس رخيصًا كما يتصورون؛ لأنه ما تجرأ «الكمسارى» على فعلته إلا لما رأى رؤساءه يقتلون فلا يُحاسبون، ويسرقون فيُكرَّمون، وقد سمع عن ضحايا حرائق القطارات والمعديات والطرق وأن الجناة فى كل هذه الحوادث لم يُعاقبوا، بل ظلوا فى مواقعهم معزَّزين مكرَّمين؛ فتجرأ مجبرًا الشابين على القفز من القطار وهو يعلم مصيرهما، ويعلم أيضًا أن وراءه من يدافع عنه، وهو من أمره بالتعامل مع هذا الشعب (……) بهذه الوحشية وتلك الفظاظة.
هذه هى مصر بعدما حكمها الغباء، وقد غابت العدالة ولم يعد هناك مكان لرحمة أو إنسانية؛ إذ أمن القاتل العقاب، والمهمل المساءلة، وضمنوا صمت الضحايا، ولو وقعت هذه الجرائم فى دولة بالأدغال لأقيلت الوزارة ولأحيل الجناة إلى محاكمة عاجلة تشفى الغليل وتنجز العدالة… لكن لا تنتظروا إجراء واحدًا من النظام العسكرى يعاقب الجناة؛ لأنه لم يفعل ذلك مع من قتلوا الآلاف، فهل يفعلها مع من قتل واحدًا أو اثنين أو عشرة؟!
نعم قتلوا الآلاف -منذ الانقلاب- بالقنص والتصفيات، وفى مذابح شاهدها الملايين على الهواء.. وحتى الساعة لم يُقدم واحد من القتلة إلى المحاكمة، ولم نسمع عن ضحية حصلت على حكم، بل قُتل من قُتل وليس فى سجلات المحاكم قضية واحدة تشير إلى هذه الجرائم. ناهيك عن الإعدامات الأخرى التى تتخذ مسميات مضللة، وناهيك عن الإعدام بالموت البطىء داخل السجون، وعمن يُعدمون فى التفجيرات، وعمن يموتون قهرًا على أموالهم المصادرة أو بناتهم المغتصبات أو أولادهم المختفين قسريًّا، وناهيك عن المدنيين من أهل سيناء الذين يتم إعدامهم بطائرات الجيش ورشاشاته.
«كمسارى» القطار مستبد صغير يعمل لحساب المستبد الكبير، وموظف المحليات الذى ترك الأعمدة مكشوفة هو أيضًا مستبد صغير-وكلاهما وأمثالهما ممن يقتلون فلا يُحاسبون على «دين» مستبدهم؛ يسرقون إذا سرق، ويقتلون إذا قتل، ويشيعون الخوف فى محيطهم كما يفعل الكبير فى «شبه الدولة»، وفى كل يوم هناك ضحايا جدد، ومع كل ضحية نسمع صراخًا وعويلاً، وألمًا وعذابًا، ولا منجى من كل ذلك إلا بإسقاط المستبد الأكبر، فيسقط معه كل المستبدين الصغار.
لا تمسكوا «الكمسارى» وتتركوا رءوس العصابة، فما فسد الصغير إلا بفساد الكبير، ولا تمسكوا موظف الحى وتتركوا من أفسد الساحة السياسية وألغى انتخابات المحليات فصارت نهبًا للإهمال والفساد. إذا أردتم القصاص فليكن بقطع رأس الأفعى، وإن أردتم الإصلاح فليكن بالسعى للحصول على الحرية؛ فبها تُسترد الحقوق، وتُحفظ الأنفس والأموال، وبها تتحقق العدالة والمساواة والمواطنة، وبغير ذلك سوف يستحرُّ القتل ويرخص الدم، وتعم الفوضى بعدما تمتد الأيدى للانتقام.
أضف تعليقك