بقلم: عز الدين الكومي
هل يدرك الإنسان العاقل، معنى أن يختار شخص، أن يقفز من قطار، وهو يتحرك بأقصى سرعته، عن أن يُسلم للشرطة؛ فيختار القفز من القطار تجنبًا من مسالخ جلاوزة الشرطة، التي يشيب من هولها الولدان.
وإذا أضفنا إلى ذلك مقطع فيديو قديم، لوزير النقل “كامل الوزير” يُهدد الكمسرية بقطع عيشهم إذا تساهلوا مع المخالفين.
فقاعدة الفراعنة الطاغوتية، كما يقول المرحوم أحمد خالد توفيق: قاعدة واحدة وسارية في كل مكان.
هات شخصًا جاهلاً غبيًا من أصل منحط – ولا أعني الثراء أو الفقر طبعًا – وأعطه سلطة، حتى لو كانت حراسة باب مبولة عمومية، ولسوف تطلق أقذر مكونات نفسه للخارج. إنه يصير الشيطان ذاته.
ينطبق هذا على الجميع.. ينطبق على مخبر يحرس بوابة أو تمرجي في عيادة.. ينطبق على مسئول كبير أو أستاذ جامعي.. ينطبق على ضابط شرطة صار (باشا) يهابه الجميع.. ينطبق على مذيع يحتل ساعات مهمة في الفضائيات ولا يصدق أنه صار بهذه الأهمية.
وأين هؤلاء؟، من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي يقول فيه: “اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشقّ عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به”.
هذه الواقعة وأشباهها، مثل واقعة الفتى “راجح” الذي قتل شاب الشهامة ،”محمود البنا” وواقعة شاب “ملّوي” الذى تعرض للطعن على يد شابين بلطجية، قاما بمعاكسة إحدى فتيات القرية، فهذه الواقعة، تلخص لنا الحالة التي وصلنا إليها في مصر، وهى ببساطة شديدة، تعنى أن المواطن لا ثمن له ولا قيمة؛ لأن هذا “الكُمساري” كان بإمكانه إنزال الشابين في أول محطة، أو تسليمهم للشرطة، لكنه تصرف كفرعون، يمارس دوره في الفرعنة ويقوم بدفع الشابين، أثناء سير القطار- كما قال بعض شهود العيان.
لأن هذا الكُمساري، اعتبر أن حياة المواطن أرخص من ثمن تذكرة القطار.
وهذه السلوكيات البعيدة عن الإنسانية، وتنفيذ القانون ما هى إلا نوع من البلطجة، التي يمارسها كل مسئول، مهما كان حجمه صغيراً في شبه الدولة.
وإذا كنا نتحدث عن موقف الكُمساري المجرم، الذى فقد إنسانيته ورجولته، فلا يمكن أن نتحدث عن موقف وسلوك كمسارى، يظن بغبائه أنه ينفذ أوامر اللص “كامل الوزير”، بمعزل عن الحديث عن دور الركاب، المثير للدهشة والغثيان في هذه الواقعة، فسلبية الحاضرين واكتفاؤهم بتصوير المأساة، ومشاهدة الضحايا يقفزون من قطار يسير بأقصى سرعة، في الوقت الذى لم يتطوع أحد من الركاب بدفع ثمن التذاكر للشابين، ولو عن طريق التكافل مثلاً، لكن الركاب ظلوا يتفرجون على حوار الكمساري المأفون مع الشابين دون تدخل، ولم يقم أحد بمنع القاتل من جريمته، أو اقتراح الانتظار لأقرب محطة حتى يتم إنزالهم، لكن المؤسف حقا أن شيئاً من هذا لم يحدث!!
وأنا من وجهة نظري أن الشابين يعبران عن حالة شعب بائس يائس، يتمنى الموت دهسا تحت عجلات القطارات، ولايقع فريسة لأحد أفراد الشرطة؛ لأنه في كلا الحالتين ميت لا محالة ، ولكن في حالة وقوعه في قبضة الشرطة، سيموت بعد حفلات التعذيب والتسلية والانتقام في أماكن الحجز، واسألوا الشاب الإيطالى جوليو ريجينى والمحامي كريم حمدي الذي قتل على يد جلاديه في قسم المطرية!!
أما الذين يتعجبون من سلوك الكُمساري فهي نفس الروح التي يُعامَل بها المواطن على أبواب المستشفيات، وأمام الدوائر الحكومية، وما يلاقونه من إهانة وازدراء وإهدار للآدمية.
إعلام الانقلاب بدوره استغل حادثة مقتل شابين على يد كُمساري متهور.
فاعتبر إعلام مسيلمة الكذاب: أن حادث إجبار كُمسري بـ”قطار الإسكندرية” أسوان لشابين على القفز من القطار بمحطة دفرة، لعدم دفعهم الأجرة، يمثل مخالفة جسيمة، وعقّب على تصريحات وزير النقل بعدم السماح بحدوث تهاون، قائلا: “التهاون حدث خلاص”.
“لو الأمر بيدي هخليكم تنطوا من القطر دلوقتي، هل تقبلوا أن أحد يجبر أولادك ينطوا من القطر وهو ماشي، تخيل ولادك مكانهم، اللى متقبلوش على نفسك متقبلهوش على غيرك، دول لو بلطجية يتحاسبوا بالقانون”.
وهذا الإعلام المأجور الرخيص، الذى لم يسلط الضوء يومًا على قضية من القضايا التى تهم المواطن، ولكن مارس دوره وعهره الإعلامي في إلهاء الشعب بقضايا تافهة.
ما يحمي الدكتاتور حقيقةً ليس حُراسه ولا جهاز أمنه ولا مُدرعاته التي تُحيط بقصره، بل هي طبقة المُنافقين والمُنتفعين وترزية القوانين من حوله.
فقد قال الجنرال كامل الوزير وزير نقل الانقلاب: “لأول بس، الناس قالوا إن دول اتنين أطفال، لأ مش أطفال، دول ناس شباب، كبار، ده 33 سنة، وراكب في قطر إسكندرية- الأقصر وهو عارف إن ده قطر درجة أولى فاخر مكيف، ولازم يركب بتذكرة”.
المشكلة ليست في كُمساري القطار ، ولكن المشكلة في كُمساري شبه الدولة.
أضف تعليقك