بقلم.. عامر شماخ
لحاجةٍ فى نفوسهم؛ أخرج العسكر الرئيس المخلوع من مخبئه، وأيقظوه من موتته الصغرى ليدلى بأحاديث تلفزيونية –متحدين شعبًا بكامله قام بثورة عليه؛ لتبعيته ولصوصيته وفشله. العجيب أن طائفة من السذج ترحموا على عهده، وقارنوا بين أيامه الخوالى وما نعيشه الآن؛ وهى فى الحقيقة مقارنة باطل بباطل، وإجرام بمثله؛ فإن المخلوع حلقة فى سلسلة العسكر الطافحة بالتخلف والفساد..
وإن كان البعض قد نسى ما فعله مبارك على مدى ثلاثين عامًا؛ فهاكم ملخص بسجل جرائمه فى حق مصر والمصريين، وآخرها قيام زبانيته بقتل (800) شاب وفتاة وهو لا يزال يفاوض لأجل البقاء فى السلطة، وقد ضمن له إخوانه العسكر البراءة من هذه الجريمة فى حق الثوار، وغيرها من الجرائم العديدة التى أوقعت بلدنا رهن التبعية للصهاينة والأمريكان، فضلًا عن الفقر والعوز وصيرورتنا فى ذيل الأمم.
ضاق الشعب بهذا الرجل بعدما خالف العهود، وجدد لنفسه -خمس مرات- رئاسة بلد بحجم مصر، بالتزوير والتلفيق، ولو سمح بجزء يسير من الديمقراطية والحرية لما قالت له الجماهير فى صوت واحد: ارحل، لكنه لم يفعل، بل كان يغتصب هذا الحق بجهاز شرطى قمعى، حرص على إفساده، كما أطلق جيشًا من البلطجية لنهش المجتمع ومعاونة سلطاته فى تنفيذ مهامهم القذرة، ولم يكن الديكتاتور لينجح في إدارة البلد لمدة ثلاثين عامًا إلا بفرض الطوارئ، وتطبيق القوانين الاستثنائية، وتدشين أجهزة أمنية غبية لفرض سطوته.
إن من ينظر إلى مصر قبل توليه السلطة (عام 1981م) ومصر يوم سقوطه يجد البون شاسعًا والفارق عظيمًا.. لقد زرع الفقر فى ربوع المحروسة، وسحق البسطاء، وفاقم البطالة بصورة خطيرة أضرت بالأمن القومى والسلم الاجتماعى، ودمّر الزراعة، وتواطأ لاستيراد القمح والقطن، وقتل المصريين بالمبيدات المسرطنة، وأغرق مصر فى الديون، وتاجر بعوزها، وترك لنا تركة مثقلة بالهموم، واقترن عهده الأسود بكوارث الطرق وحرائق المبانى والقطارات وغرق العبارات، فضلًا عما قام به من بيع شركات القطاع العام وتنفيذ مأساة (الخصخصة) التى شرد على أثرها ملايين العمال والموظفين.
وقد ذهب المخلوع إلى غير رجعة بعدما أضاع الدور الإقليمى لمصر، وفرط فى حقوق بلده فى مياه النيل، فصرنا مهددين بالعطش وأرضنا بالبوار، وتآمر على السودان، وفرّط في القضية الفلسطينية، وحاصر شعب غزة الأبى وأسهم فى سفك دماء إخوتنا فى أرض الرباط.
ولو لم يرتكب مبارك جريمة سوى ما فعله مع جماعة الإخوان المسلمين، لكفى ذلك لإدانته بالإرهاب، فعلى مدى ثلاثين عامًا لاحق أعضاء الجماعة، وأغلق مكاتبهم وشركاتهم، فبلغ من قبض عليه من أفراد الإخوان نحو (50) ألفًا، منهم (30) ألفًا فى السنوات العشر الأخيرة من حكمه، غير سبع محاكمات عسكرية لفقها لقادة الجماعة، وأربعة أعضاء سقطوا قتلى فى سجونه.. وغيرها من التجاوزات التى سُجلت باعتبارها جرائم ضد الإنسانية.
ولم تسقط مصر فى بئر الإهانة إلا مع هذه الحقبة المظلمة؛ حيث أهدرت كرامة المصريين في الخارج، وصار أبناؤنا عُرضة للسخرية والتطاول من جانب الآخرين؛ بعدما فسدت الحياة السياسية، وتم العبث بالدستور، وتسييس القضاء، وبعدما حُظرت الأنشطة الحزبية والطلابية والمجتمعية، وكان الحزب الحاكم الذى يرأسه مبارك نفسه لا يعرف مسئولوه سوى المحسوبية والرشوة، فضلًا عن كتائب من الإعلاميين الكاذبين، صنعهم على عينه للدفاع عن نظامه غير الشرعى ولمحاربة هوية مصر الإسلامية.
كان مبارك فاسدًا مفسدًا، دفعته رغبته فى أن يرث ابنه مقاليد الحكم إلى العمل بشتى الطرق لئلا يتدخل أحد فى قراراته سوى امرأته وابنه الوريث المرتقب، اللذين ترك لهما -فى السنوات الأخيرة- إدارة مؤسسات الدولة؛ إضافة إلى استعانته بوزراء مشبوهين بقوا سنين طوالًا فى الحكومة، وهم من كونوا كيانات فاسدة أشبه بعصابات المافيا، وقد أرسوا قاعدة (حاميها حراميها) فضاع الحق، وبقى السارق والمجرم بعيدين عن يد العدالة.
أضف تعليقك