بقلم..سليم عزوز
ليس خبراً أن يقال فشل مفاوضات سد النهضة، أو أن المفاوضات وصلت لطريق مسدود، هذا إذا أخذنا بالقاعدة الصحفية القديمة التي تقول: إن الخبر ليس في أن يقال "عض كلب إنساناً"، ولكن في أن يقال "عض إنسان كلباً".
ذلك بأن فشل المفاوضات هو تحصيل حاصل، وعلى مدى أربع سنوات منذ توقيع اتفاق المبادئ سنة 2015، ولم يحدث أن نجحت أي جولة للمفاوضات. وعلى مستوى وزراء الري، فقد أعلن الوزير الحالي والوزير السابق أكثر من مرة فشل المفاوضات، وقبل عام قال أحدهم أنه رغم الفشل، فإنهم مستمرون في عملية التفاوض، لنكون أمام نظرية جديدة في العلاقات الدولية، وهي التفاوض من أجل التفاوض، فالتفاوض هدف في حد ذاته!
وفي جولة سابقة أعلن وزير الري فشل المفاوضات وإحالة الملف للحكومة التي أسقط في يدها، واحتشدت وسائل الإعلام ومعها البرلمان للتحلل من هذه "الورطة" لبث الطمأنينة في قلوب المصريين، وتم الإعلان عن أن رئيس الوزراء الإثيوبي سيأتي للبرلمان ويلقي خطاباً يطمئن فيه المصريين على حصتهم من مياه النيل، الأمر الذي لم يحدث أبداً. وانتظر السيسي رئيس الوزراء الحالي، ليحصل منه على تعهد بعدم الإضرار بحقوق مصر من مياه النيل، وذلك من خلال الطلب منه ترديد القسم خلفه، في خطوة تمثل إدانة للسلطة التي تحكم البلاد، وتكشف أنهم ليسوا على مستوى هذه الأزمة الخطيرة، وليسوا مؤهلين لإدارة دولة أو قبيلة.
على ما يرام:
وفي الحقيقة أن وزراء الري هم الأكثر في التعبير عن الحقيقة من الرئيس ووزير خارجيته، فلم تحقق المفاوضات خطوة واحدة للأمام، ومع هذا خرج السيسي من اجتماع ضمه والرئيس البشير ورئيس الوزراء الإثيوبي، ورفض عقد مؤتمر صحفي، واكتفى بأن يؤكد للصحفيين الذين يحيطون بهم أن الأمور على ما يرام، وأنه لا توجد أزمة بين الأشقاء!
وفي جولات سابقة كان وزير الخارجية يشغلنا بإزاحة ميكروفون الجزيرة، ويصبح هذا هو الموضوع الذي يسهر عليه الاعلام المصري؛ الذي وصف الوزير بأنه ملك الميكروفون وقاهر الجزيرة، دون سؤال عما حدث في هذه المفاوضات!
المؤكد أن جولات المفاوضات كانت تنتهي دائما بالفشل، لكن السيسي ووزير خارجية يعملون على تضليل الرأي العام، فيعطي السيسي تصريحات مقتضبة وكأنه في فرح، ويسحب الرئيس السوداني ورئيس الوزراء الإثيوبي بعيدا حتى لا يتورطا في تصريح يؤكد فشل المفاوضات، هذا إن كانا قد تطرقا فعلا لموضوع السد. وتقول المصادر إنه في كل لقاءاته مع البشير التي كان الإعلام يقول إنهما ناقشا أزمة السد؛ لم يتطرقا لهذا أبدا.
وهل يستطيع وزير الخارجية الآن أن يقول ماذا كان يجري في المفاوضات التي شارك فيها، والتي غطى عليها بإزاحة مايك قناة الجزيرة، فيصبح المايك هو الخبر ولا يتذكر أحد أن هناك مفاوضات كانت تجرى لمناقشة أزمة خطيرة؟!
البنود الثلاثة:
لسنا بحاجة إلى الاعتراف بفشل المفاوضات؛ ذلك بأن الهدف منها هو الاتفاق على ثلاثة بنود، ولم يتفق الاتفاق ولو على بند واحد.
الأول: هو أن تدار عملية البناء تحت اشراف شركات استشارية خارجية، وعرضت مصر الاستعانة بشركتين إحداهما فرنسية، والثانية هولندية، وقد رفض الجانب الإثيوبي، دون أن يقدم البديل، فلما عرضت مصر الاستعانة بالبنك الدولي، رفض الجانب الإثيوبي أيضاً، رغم أنه يدين النظام المصري؛ لأن البنك الدولي صاحب مبدأ أن مياه الأنهار ملك لدول المنبع، وأنه مع تسعيرها وبيعها لدول المصب.
في اعتقادي أنه إعلان من جانب الوزير المختص على غير إرادة السيسي، وبدون استشارته، والدليل أنه يفعل الآن ما فعله مع إعلانات سابقة بفشل المفاوضات، وهو محاولة ترميم الموقف، وتقديم تطمينات وهمية للشعب المصري
الثاني: الاتفاق على سعة السد ومواصفاته، وهو ما رفضه الجانب الإثيوبي، مع وجود تخوف من مخاطر في الإنشاءات قد تعرض جسم السد للانهيار في المستقبل؛ الأمر الذي من شأنه أن يكون سببا في غرق السودان ومصر مع انهيار السد العالي. ومع التعنت الإثيوبي تم تجاوز البندين الأول والثاني، ليبقي التركيز على البند الثالث فقط، مع ما يتردد بأن سعة السد تقبل بحصة مصر والسودان معا وتقول هل من مزيد؟
الثالث: هو سنوات الملء، ومصر تطلب بشرط سبع سنوات ملء، بينما تصر إثيوبيا على ثلاث سنوات فقط.
ولأن هذا البند هو موضوع المفاوضات، إلى جانب بند آخر غير معلن وهو حصة مصر، فمن هنا جاء التصريح بأن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود. وفي اعتقادي أنه إعلان من جانب الوزير المختص على غير إرادة السيسي، وبدون استشارته، والدليل أنه يفعل الآن ما فعله مع إعلانات سابقة بفشل المفاوضات، وهو محاولة ترميم الموقف، وتقديم تطمينات وهمية للشعب المصري، سرعان ما يتبين أنها سراب بقيعة.
الطرف الدولي:
في الأمم المتحدة طلب السيسي بدخول طرف دولي، فلما رأى موقفا للبيت الأبيض قال هذا ربي هذا أكبر، وهو يريد أن يكسب وقتا لا أكثر، ليتم الانتهاء من بناء السد، ويضع لنا العقدة في المنشار، لكي يتحقق مخططه وهو وصول مياه النيل لإسرائيل مقابل وصوله لمصر. وقد يكون من الأفضل للأطراف الدولية أن من يقوم بتنفيذ المهمة رئيس جديد، يتصرف وهو مغلوب على أمره على أن يقوم بهذا من خططلهذه الجريمة.
بيد أن الجانب الإثيوبي أظهر تعنتاً أحرج به الجانب المصري، فلم يكن مطالباً بأكثر من الصمت، وتمييع القضية كما ميّعها "آبي أحمد" بالقسم الذي ردده وراء السيسي، لكن في هذه المرة كان لا بد من الرفض بشدة: لقد رفضت إثيوبيا دخول طرف ثالث، لتضع العربة أمام الحصان، واتفاقية المبادئ التي وقع عليها السيسي تشترط موافقة الأطراف الثلاثة التي وقعت عليها على قبول تدخل أي طرف ثالث، وفي وجودها تغل يد السيسي عن اللجوء للتحكيم الدولي؛ لأن الاتفاقية لا تضمن لمصر شيئا من هذا، فما هو المطلوب إقراره مستندا على هذه الاتفاقية عند اللجوء للتحكيم الدولي، الذي لا يمكن اللجوء إليه الا بموافقة الأطراف الثلاثة؟
وقد ضاقت حلبة المناورة على السيسي، إنه يريد إضاعة الوقت ليصبح السد أمراً واقعاً، ويريد أن يقول للناس في مصر أن أمامه خيارات أخرى من باب التضليل، مع أن الخيارين الذين لا ثالث لهم خارج إطار تفكيره، وهو إلغاء الاتفاقية بقرار من البرلمان، ومن ثم اللجوء للتحكيم الدولي. أو أن يطلق صاروخا لنسف السد وإعلان التعبئة الآن، وهو ليس رجل حروب ودفاع عن الأمن القومي المصري، فالعملية العسكرية الوحيدة التي أدارها هي المذابح التي جرت في مصر.
والحال كذلك، فلا تقل المفاوضات فشلت هذه المرة، فلم تنجح جولة مفاوضات واحدة.
هذا المقال من موقع عربي 21
أضف تعليقك