بقلم سليم عزوز
هي فضيحة بجلاجل لا ريب، ولا تسألني عن المقصود بـ “الجلاجل” هذه، فهي وصف يطلقه المصريون على الفضائح الكبرى؛ التي يتغنى بها الركبان!
فأمام الأزمة، التي تعرض لها الحاكم العسكري في مصر، بعد فيديوهات المقاول والفنان محمد علي، تم استدعاء الجميع لمواجهة هذا التحدي الجديد، واحتشدت الأجهزة الأمنية، وتقرر الاستعانة بخيل الحكومة من الإعلاميين، الذين تم تسريحهم، ولأن الأزمة أكبر من قدرات “أحمد موسى”، فقد كان حتماً ولا بد من الاستعانة بعمرو أديب، ولو لفترة مؤقتة، والمذكور تم الاستغناء عن خدماته في الإعلام المصري، لكن القوم في المملكة العربية السعودية، يدركون أنه رجلهم بالأساس، فكان عقده مع قناة “أم بي سي مصر”، وهو العقد الذي قال الطرف الأول فيه تركي آل الشيخ، الأكبر في عقود الإعلاميين في العالم!
كان السيسي قد طلب من الإعلام الوقوف معه في محنته، وظني أنها ليست معركة أهل الحكم في السعودية، لكن عمرو دخلها متطوعاً، ولأنه ليس أحمد موسى، فهو يدرك كيف يرضي الكفيل، فيمرر خوض معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل، فانصب هجومه على قطر وعلى قناة الجزيرة “عقدة محمد بن سلمان”، وقد فقد السيسي حماس دول الخليج، فتوقفت عن ضخ المساعدات له، فقد أغواهم في البداية، بالحديث العاطفي عن أن أمن الخليج من أمن مصر، وأنه إذا تعرض الخليج لأزمة تهدد أمنه القومي فـ “مسافة السكة”، وها هي السعودية تغرق في الوحل اليمني، ويستأسد عليها الحوثي، ويوجه لها ضربات موجعة ومهينة، فتنظر حولها فلا تجد السيسي!
و”عمرو أديب” من الذكاء بمكان إلى درجة أن يصور لأولي الأمر منه في المملكة العربية السعودية، أن المعركة التي يخوضها معركتهم أيضاً، لأنها في جانب منها ضد “الجزيرة” وقطر، ولأن برنامج “المسائية” اليومي، على قناة “الجزيرة مباشر” يوجع القوم في مصر، فقد جعله هدفه، لدرجة أنه يضعه في الخلفية ويرد عليه، وفي الليلة المفترجة تمنيت أن يفعل، وكنت حينئذ في الأستوديو، وكانت الفقرة لمناقشة الفضيحة، إلا أنه لم يفعل، ولا ندري ماذا سيقول لمشاهديه الآن!
لقد سبق له أن قدم عرضاً بهلوانيا، باعترافات عدد من الأجانب، من بينهم تركي، وفلسطيني، وأردنيان اثنان، وسوداني، وتايلاندي، وتونسي، وذلك في مخطط التعامل على أن السيسي يواجه مؤامرة كونية، تشارك فيها كل دول العالم، تستهدف الدولة المصرية، وتقف خلفها جماعة الإخوان المسلمين، وها هم الجناة يعترفون بجريمتهم بعد قيام الأمن المصري بالقبض عليهم، وها هو الدليل يتمثل في فيديوهات الاعتراف، كما يتمثل في جوازات السفر الخاصة بهم، وأنهم وإن كانوا قد جاءوا للمشاركة في اسقاط الدولة المصرية، فانهم يقومون بتصوير المظاهرات وإرسالها إلى قناة “الجزيرة”!
وهذا اعتراف أن هناك مظاهرات، وأن هؤلاء الأجانب يشاركون فيها، في وقت كان الإنكار هو الحل، فقد أنكر الإعلام المصري الموجه، أن تكون هناك مظاهرات خرجت، وأن الصور المنشورة مفبركة، وأن هناك غرفة عمليات في “الجزيرة” تقوم بفبركة الصور المنشورة، وبمساعدة المخابرات القطرية، ثم تم الحديث عن مظاهرات قام بها الإخوان وشارك فيها هؤلاء الأجانب وتستهدف اسقاط الدولة، وبدا الإعلام المصري، كما لو كان يدار من “السرايا الصفراء”، الاسم الذي يطلق على مستشفى المجانين، مع هذا الإنكار والاعتراف في وقت واحد بهذه المظاهرات!
وتمطع عمرو أديب
وعلى كل فقد اعترف بيان للنائب العام، أن عدد من تم التحقيق معهم هم ألف شخص. وقالت منظمات حقوقية إن من تم القبض عليهم هم في حدود ثلاثة آلاف شخص، وذلك بعد التصريحات الرسمية بأنه سيتم اخلاء سبيل من لم يتم عرضهم على النيابة من الذين تم القاء القبض عليهم، دون أن يكون من حقنا السؤال عن المبرر الرسمي لاعتقال أناس بدون قرار من النيابة؟ لأنه سؤال لا يجوز أن يُطرح في مصر، فالقانون في إجازة، وإذا كانت نصوص الدستور (القانون الأعلى) يجري اهدارها، فهل يجوز لنا الحديث عن قدسية ما هو أدنى منه!
لا بأس، فالبأس الشديد أن عمرو أديب تمطع قبل أن يذهب إلى أهله يتمطى، وهو يعرض فيديوهات الاعتراف، لنكتشف أننا أمام تمثيلة وضعها مخرج فاشل، وإن ذكرتنا بما كان يفعله النظام العسكري في مرحلة النشأة والتكوين، عندما كان يأتي من السجون بمن تم تعذيبهم من الإخوان، ليدير معهم أحد المذيعين حواراً يعترفون فيه بالجرائم المنسوبة إليهم، وكان هذا المذيع هو الراحل حمدي قنديل، الذي اعتذر عن هذا وأرجعه إلى حماسه لهذا العهد في مرحلة الشباب، فاندفع يرتكب هذه الجريمة المهنية، والأخلاقية، فهل يعتذر عمرو أديب لا سيما بعد أن أصبحت فضيحته بجلاجل؟!
الفضيحة تحققت بمجرد المشاركة في هذه المهزلة، أما كونها بجلاجل فكان هذا بعد قرار النيابة بإخلاء سبيلهم، دون استكمال مدة حبسهم وهي خمسة عشر يوماً، وبحسب ما جاء في بيان نيابة أمن الدولة، أنه تم الافراج عنهم بعد تدخل سفاراتهم، فهل هذا قانون، أن تقبل جهات التحقيق تدخل السفارات في عمل من أعمالها، ومع متهمين ينتمون لجماعة إرهابية، ويعملون على إسقاط الدولة المصرية، في أي دولة يمكن أن يحدث هذا؟!
لقد مررنا بهذه التجربة في مصر في حكم المجلس العسكري، لكن المتهمين كانوا أمريكيين، والعين لا تعلو على الحاجب، وقد تم اقحام القضاء المصري في اختبار صعب، عندما تم توجيهه بإصدار قرار بضبط واحضار المتهمين في قضية التمويل الأجنبي، وصدر القرار بمنعهم من السفر، وسط زفة عظيمة نصبت في البرلمان وفي الإعلام، عن قوة المجلس العسكري، إلى درجة تحديه للبيت الأبيض، قبل أن يتحول الأمر إلى فضيحة بجلاجل أيضاً!
لقد ضغطت الإدارة الأمريكية، وطلب المجلس العسكري من قاضي التحقيق إلغاء قراره وهو الذي تقبل الأمر الأول بالحبس والمنع من السفر ونفذه، فلما طلبوا منه أن يشارك يتراجع في قراره رفض، فكان استدعاء قاض أخر على عجل لينفذ الأمر الثاني بالمخالفة للقانون، فمن يلغي القرار هو من أصدره وهو القاضي الذي يقوم بالتحقيق ولا أحد غيره، لكنه الذعر الذي أصاب أولي الأمر منا، بعد التهديد الأمريكي بأن الطائرة ستحط في السفارة الأمريكية بالقاهرة، حيث يوجد المتهمون، وتقلهم إلى واشنطن، إذا لم يلغ القرار!
ووصل الأمر إلى “أبو علاء” حسني مبارك في محبسه، فاندهش لصدور القرار الأول ابتداء، وقال من المستحيل أن يصدر المشير طنطاوي هذا القرار لأنه يعرف طبيعة علاقتنا بالأمريكان في موضوع التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني، لكن ما لم يعلمه “أبو علاء”، أن المحرض على هذا القرار كان هو مدير المخابرات الحربية اللواء عبد الفتاح السيسي، وكانت فضيحة عالمية يا مؤمن!
لكن، وكما قلنا فهؤلاء يحملون الجنسية الأمريكية، التي لا يحملها المتهمون في قضية إسقاط الدولة المصرية، فكيف يقال إنه الافراج عنهم تم بعد تدخل سفارات بلادهم؟!
إنهم إخوان!
في بيان النيابة بإخلاء سبيل المتهمين، كان الحرص على ذكر جريمتهم وهي “مشاركة جماعة الإخوان الإرهابية مع العلم بأغراضها، في القيام بمحاولة خلق حالة من الفوضى، وكذا قيام بعضهم بتمويل عناصر تتبع الجماعة مع اعداد وتدريب أفراد بتعليمهم أساليب ومهارات لاستخدامها في ارتكاب تلك الجرائم واستخدام طائرة محركة لاسلكيا بغير تصريح من الجهة المختصة بغرض ارتكاب جريمة”.
الملاحظ أنه في اتهامات نيابة أمن الدولة، أنه لا وجود للاتهام بالمشاركة في مظاهرات بهدف اسقاط الدولة المصرية، وهو ما عاد فيه عمرو أديب وزاد، وجاء على لسان الشباب في اعترافاتهم المسجلة، والتي بثها أديب، لنسأل هنا عن الجهة التي مدت أديب بهذه الاعترافات، ومن مده بصور جوازات السفر، لأن هذه الاعترافات إن كانت أمام الشرطة أو النيابة، وكذلك جوازات السفر، فهي جزء من “أحراز القضية” التي لا يعول عليها بعد ذلك عليها إذا عُرضت القضية على القضاء لأنها وصلت لعمر أديب!
بيد أنها قضية لم يكن المستهدف بها سوى هذا الأداء اللحظي، الذي قام به عمرو أديب، كلاعب في سيرك الأجهزة الأمنية، مع أن أي مدقق في هذه الفيديوهات سيقف على أنها أخذت تحت التعذيب والإكراه، ومن أخذها هم أجهل من دابة، يشاركهم الجهل من قبل على نفسه أن يكون مطية لهؤلاء الجهلاء!
لقد جاء على لسان المتهم السوداني، أنه شارك في الثورة السودانية، وأنه جاء لمصر بتوجيه من قبل جماعة الإخوان المسلمين لكي يشارك في اسقاط الدولة المصرية، وهو اعتراف ربما أراد صاحبه أن يتلاعب بالأجهزة الأمنية، ولكي يقف من يستمع اليه على أنه تم تحت التعذيب والإكراه، فكيف يكون من الإخوان أي “كوز” بحسب وصف السودانيين، وثورتهم هتفت ضد “الكيزان”، ومع هذا شارك في هذه الثورة على جماعته، ثم إنه جاء بقرار من الإخوان ليساهم في اسقاط الدولة المصرية لعودة دولة الكيزان المصريين؟! إنه إذن مقاول ثورات!
وإذا كان الأمنيون محدودي الثقافة، فكيف مر هذا على عمرو أديب، وهو ليس أحمد موسى؟!
إن ما جرى لا يدمر السياحة فقط في مصر، فكل زائر لها معرض للقبض عليه، للقيام بمهمة تدعيم مركز السيسي، ولكنه سيلحق ضرارا بالغاً بالقضاء المصري يتعذر تداركه، وهو الذي حبس هؤلاء باعتبارهم جناة، ثم أخلى سبيلهم بعد تدخل سفارات بلادهم!
صباح الخير يا عمرو!
أضف تعليقك