بقلم د. محمد الصغير
بعد مرور أكثر من ست سنوات من حكم الحديد والنار، والقضاء على كل مظاهر الدولة، من خلال القيادة بمنطق العصابة، استطاع الشعب المصري أن يسترد شيئا من عافيته، ويعود إلى الشوارع والميادين بعدما طفح الكيل وبلغ السيل الزبى، مما أرغم السيسي على العدول عن خطة الهجوم الشرس إلى الدفاع المستكين، وبدأ في عملية استرضاء واسعة لقطاعات من المهمشين والمطحونين.
وفي زحمة أحداث كبرى يموج بها العالم، وكَثرة تَتَابعها تمر أحداث مهمة لا تأخذ حقها من الدراسة وأخذ العبرة، كجولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية التونسية التي انحصرت بين قيس سعيّد أستاذ القانون الدستوري الذي حصل على أعلى نسبة أصوات مع أنه لا ينتمي إلى حزب أو تيار، وإنما قامت حملته على أكتاف الطلاب والمحبين الذين خالطوا الرجل عن قرب ورأوا فيه الملكات التي تؤهله للوصول إلى قصر قرطاج والفوز برئاسة تونس!
إنها تونس
وتعتبر ساحة الجامعة عند أصحاب مشاريع التغيير هي أهم المراحل وأغناها، وبقدر تأثيرك في الطلاب ينتقل ذلك سريعا إلى باقي قطاعات المجتمع، والدليل أن طلاب قيس سعيّد استطاعوا أن يصلوا به إلى كل شارع في تونس، وبتكلفة لا تقارن من قريب أو بعيد مع ما أنفقه أي مرشح من المرشحين، وَحَلّ بعده في المرتبة الثانية
السيد: نبيل القروي مرشح حزب قلب تونس والذي يدير حملته من داخل السجن على ذمة قضية غسيل أموال!
وقد بُذلتْ جهود كبيرة ليتمكن من خوض جولة الإعادة من خارج السجن، لكن القضاة رفضوا خروجه مؤكدين صحة قرار توقيفه.
إنها تونس التي لا تشبه أخواتها، وهذا شعبها الذي أبان عن وعي وحرص على مستقبل بلده، من دون أن يتأثر بإعلام الدولة العميقة أو بمن حالفها أو هادنها من أبناء معسكر الثورة.
ثورة العراق
وفجأة ومن دون مقدمات ولا إرهاصات اندلعت الاحتجاجات في بغداد عاصمة الرشيد والتي قابلتها الحكومة بعنف وغطرسة فاتسعت دائرتها، وانضم إليها قطاعات مختلفة من أبناء الشعب العراقي، فما أكثر المطالبين بثاراتهم من النظام الحاكم الذي أفلح أن يجعل له في كل بيت غريما!
وسرعان ما سمعنا عن حظر التجول، وقطع شبكة الانترنت بما يؤكد أنها ثورة شعب على حكومة فساد واستبداد، تتعامل بنفس الطريقة وتستخدم ذات الوسائل، مما أسفر عن قتل أكثر من عشرين من المتظاهرين!
فهل يتخلص العراق من السيطرة الطائفية، وتعود إليه اللحمة الوطنية، ويتحرر من نفوذ إيران التي تمَكنت من مقاليده، وأمسكت بتلابيبه بعدما تسلمته من الأمريكان؟
أم سيتدخل محور الشر لإضعاف المسلمين في العراق والوقوف أمام تطلعاتهم كما فعلوا مع ثورة اليمن؟
معركة الوعي
القاسم المشترك بين ذلك كله أن الشعوب العربية لم يتمكن منها اليأس، ولم تفقد الأمل، وتدرك أنها على موعد مع التغيير، وحتما ستدرك اللحظة الفارقة إذا لاح برقها أو أضاء ثناها، وما أحرزته من نصر في معركتي الوعي والصبر يؤهلها لحسم المعركة على الأرض، متى استجمعت باقي شرائط النصر والتمكين، والتي في مقدمتها: أن الوقت جزء من العلاج، وأن العجلة تؤخر قطف الثمرة.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
أضف تعليقك