• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: د. حلمي القاعود

الضباب الذي يلف العالم الإسلامي بسبب مشكلاته العديدة التي تتراكم يومياً، يجعل المحتلين الروس في سورية الشقيقة يتحركون براحتهم وفي هدوء شديد بعد أن تراجعت قضيتها إلى ذيل الاهتمامات العالمية، فيقتلون أبناءها الأبرياء، ويدمرون ما تبقى من مدنها وآثارها، ومدارسها ومستشفياتها، ومساجدها وبيوتها، ويهجّرون ما تبقى من السكان السُّنة بعيداً عن ديارهم ومواطنهم (تطهير عرقي)، ويتبعون في ذلك سياسة الأرض المحروقة التي اتبعها فلاديمير بوتين في الشيشان قبل سنوات.

ومن المؤكد أن صانع المأساة الأول هو النظام الإرهابي الطائفي، الذي تمسح بالعروبة، منذ الستينيات في القرن الماضي حتى كشف الآن عن وجهه الطائفي العنصري في الحرب التي شنّها ضد شعبه أو ما يفترض أنه شعبه، لقد استدعى محتلين من شتى أرجاء العالم (أقصد من جنسيات عديدة)، على رأسها المليشيات الطائفية الشيعية، والحرس الثوري الإيراني، و"حزب الله" اللبناني، ومحاربون من دول شتى، بل إن ما يسمى "تنظيم الدولة الإسلامية" (داعش) حارب لحسابه، أو قدم له دعماً لوجستياً من خلال شحنات البترول المنهوبة من العراق أو سورية نفسها.

هؤلاء المحتلون لم يستطيعوا الصمود في مواجهة الشعب الذي دافع عن حياته، ولكنهم في البداية وجدوا دعماً معنوياً من الروس والصين ودول عربية، فاستخدم النظام الطائفي الأسلحة المحرمة دولياً بدءاً مما يسمى البراميل المتفجرة حتى الغازات السامة، وقد تعرضت لهذه الأسلحة التي تلقى بدم بارد على الأسواق والمدارس والمستشفيات، فضلاً عن البيوت والمؤسسات المدنية المختلفة، ووقف المشجعون في مجلس الأمن الدولي يحولون بين إدانة النظام أو إرغامه على وقف إطلاق النار، بالطبع كانت دول الغرب تقوم بتمثيليتها النفاقية المعروفة مكتفية بإطلاق التصريحات الجوفاء التي لا ظل لها على الأرض.

ولعل مجزرة السارين في غوطة دمشق التي مرت ذكراها السادسة قبل أسابيع، وراح ضحيتها أكثر من ستمائة وألف سوري بريء معظمهم من النساء والأطفال خير دليل على نفاق العالم الغربي، وتواطئه مع النظام الطائفي الذي يحمي الكيان الغاصب في فلسطين.

لم تُجْدِ الحرب القذرة ضد السكان الآمنين ولم توقف المقاومة الشعبية، فاستدعى النظام الطائفي الإرهابي القوات الروسية التي ودعها الأنبا كيريل، رئيس الكنيسة الأرثوذكسية، قائلاً لهم: إنكم تقومون بمهمة مقدسة، أي حرب صليبية!

استطاعت القوات الروسية بما تملكه من أحدث الأسلحة وخاصة الطيران والصواريخ والمدفعية الثقيلة أن تغير مسار الحرب، وأن تستخدم أقصى درجات العنف ضد المدنيين وفصائل الثورة، وتمكنت أن تقضي بالتدريج على كثير من الفصائل، وأن تقوم بالتطهير من خلال اتفاقات نقلت كثيراً من السكان إلى منطقة إدلب في الشمال الغربي، ونفذ بوتين سياسة الأرض المحروقة في ظل سكوت العالم وتواطئه ومشاركته وسحق معظم الفصائل، وطهّر كثيراً من السكان تطهيراً عرقياً، وراح يلتقط أنفاسه لبعض الوقت في اتفاقيات تدخل تركيا طرفاً فيها، ويقوم بنقضها عن طريق القصف الوحشي بلا هوادة واستخدام الأسلحة المحرمة بغير ضمير، إنها سياسة الأرض المحروقة التي نفذها بوتين في الشيشان المسلمة حين أرادت أن تعلن استقلالها وتنعم بالحرية مثل بقية دول وسط آسيا التي تحررت من الاحتلال السوفييتي الشيوعي.

لقد جاء فلاديمير بوتين من جهاز المخابرات السوفييتي الــرهيب (الكي جي بي) الذي أرعــب العالم على مدى أكثر من سبعين عاماً، وتصرف بوصفه رجل أمن في كل خطواته وليس رئيساً، واستطاع بهذه الصفة أن يحسم معركة الشيشان بتدمير العاصمة جروزني، وإنهاء المقاومة وتنصيب حاكم موال له.

بدأ النزاع عندما شنت روسيا الحرب على جمهورية الشيشان -المستقلة بالأمر الواقع عن الاتحاد الروسي منذ الحرب الشيشانية الأولي- في 26 أغسطس 1999م رداً على غزو داغستان في 9 أغسطس 1999م وإعلانها دولة مستقلة من قبل اللواء الإسلامي الدولي الذي اتخذ من الشيشان مقراً له.

وفي أول أكتوبر، دخلت القوات الروسية الشيشان وأنهت الاستقلال الفعلي لجمهورية "إيشكريا الشيشانية" (جمهورية الشيشان) الذي أعقب الحرب الشيشانية الأولى واستعادت روسيا السيطرة على الإقليم، في الحملة الأولى واجه الشيشانيون الروس والقوات الشيشانية الموالية لروسيا في قتال مفتوح انتهى باستيلاء روسيا على العاصمة الشيشانية جروزني بعد حصار الشتاء الذي استمر من أواخر عام 1999م حتى فبراير 2000م.

وبعد الهجوم الشامل علي الشيشان الذي استخدمت فيه روسيا الطيران والمدفعية الثقيلة ضد السكان الأبرياء فرضت حكمًا مباشرًا على الإقليم في مايو 2000م، بينما استمرت المقاومة المسلحة الشيشانية في جميع أنحاء منطقة شمال القوقاز في إلحاق خسائر جسيمة بالروس وتحدي السيطرة السياسية الروسية على الشيشان لعدة سنوات تلت.

في منتصف عام 2000، نقلت روسيا بعض العمليات العسكرية إلى القوات الشيشانية الموالية لها، ومع بداية عام 2009، كانت روسيا قد أعاقت بشدة الحركة الاستقلالية الشيشانية وفقاً لسياسة الأرض المحروقة عن طريق القصف بالطيران والمدفعية الثقيلة للمدنيين دون رحمة، فتوقف القتال على نطاق واسع، وبعد شهور دعا الزعيم أحمد زكاييف إلى وقف المقاومة المسلحة، وخضعت الشيشان للروس بعد أن فقدت وفقاً لسياسة الأرض المحروقة قرابة خمسين ألفاً معظمهم من المدنيين، بينما فقد الروس حوالي خمسة آلاف من العسكريين.

ويعيد بوتين سياسة الأرض المحروقة في سورية ليضمن للنظام الطائفي السيطرة على بقايا دولة مدمرة تسكنها الأقلية الطائفية، وتشاركها فيما يشبه الاستقلال الذاتي الأقلية العرقية (الأكراد)، ويعلن النظام الطائفي أنه رمز للمقاومة والممانعة! مقاومة من؟ وممانعة عن؟

الروس يحكمون سورية فعلياً الآن، ولكنهم فيما يبدو يخططون لواقع خاص بهم في المنطقة يتجاوز سورية، إلى دول أخرى من أجل مصالحهم غير المشروعة، أما شعوبنا فتدفع الثمن بعجزها وخلافاتها وأنانيتها، ولا غالب إلا الله.

أضف تعليقك