بقلم: سليم عزوز
دعك من محاولته التقليل من شأن نفسه، بادعاء أنه جاهل لم يكمل تعليمه وبالتالي لا يفهم شيئا في أمور السياسة. ففي الحقيقة أننا أمام شخص واع بما يقول، ويملك القدرة على التعبير عن نفسه، بشكل أفضل كثيراً من هذا الذي يحمل أرفع رتبة عسكرية، والذي تم تقديمه وقدم هو نفسه تارة بأنه نبي، وأخرى بأنه فيلسوف وطبيب يأتون له من كل فج عميق، ليضع العلاج لأمراض العالم!
سيصبح الأمر عبثاً إن جاريت محمد علي في تقديمه لنفسه، فنحن إمام إنسان بالغ التواضع، وآخر متورم الذات وإن لم يستطع أن ينتج جملة واحدة مستقيمة ومكتملة، لأن الكلام عنده يمر على فلاتر بحسب قوله!
المدقق في خطاب محمد علي، يرى أنه يملك درجة من الوعي السياسي لا يملكها البعض من أهل السياسة ومحترفيها، بدت منذ أول فيديوهاته، فهو يعترف إنه خرج على نظام الإخوان، وأنه كان عند قصر الاتحادية عندما تم حصاره، وأنه من الذين تظاهروا يوم 30 حزيران/ يونيو مع المتظاهرين، لكنه مع هذا، لا يبالغ في تصوير سلامة موقفه، لأنه لا يريد أن يخسر قطاعاً عريضاً من الناس، فهو كان مجتهداً، فقد خرج اعتقاداً منه أن الإخوان على خطأ، ولا يعرف إلى الآن أين الصواب، لأنه إنسان بسيط ولم يكمل تعليمه!
ثم إنه يعلم أنه ابن الدولة العميقة، التي أوبت معه باعتباره منها، وهي منه، فعندما يأتي ذكر اسم حرم الرئيس مبارك في موقف يريد البناء عليه، فإنه يقفز بعيداً، لعدم رغبته في الإساءة إليها، فيخسر بهذا قطاعا من المصريين. وليس صحيحاً أن دولة مبارك مؤيدة للسيسي، فالحقيقة أن فريقاً منها صار على يقين من أن ثورة يناير هي بفعل الجيش، للتخلص من رمز دولتهم، الرئيس حسني مبارك. ومن هنا، فإن محمد علي يدرك موقعه من الإعراب، فلم يشأ أن يخسر هذه الدولة.
ويعلم محمد علي أنه ليس من الحصافة أن يخسر الجيش، أو يعطي خصومه ما يطعنونه به، بتصويره بأنه يعمل على هدم الجيش المصري ليحشده السيسي حوله، فهو يحصر مشكلته مع بعض الهيئات غير القتالية، مثل الهيئة الهندسية، ومع عدد من الضباط، الذين يقارن بين رواتبهم ومداخيل أقرانهم، ويعقد مقارنة بين وضع هذا الجنرال وذاك، وهو أمر ينم عن وعي سياسي ربما يفتقده كثير من السياسيين، أو الذين يدعون وصلاً بالسياسة!
أزمته مع السيسي:
إن أزمة محمد علي الشخصية، ليست مع شخص عبد الفتاح السيسي، فكلها مشكلاته مرتبطة بالهيئة الهندسية وبعض ضباطها، لكنه عندما يتجاوز الهيئة إلى السيسي في شخصه وصفته، ويعمل على كشفه، فإنه يتجاوز الخاص إلى العام. ويبدو أنه ليس معنياً كثيراً بأزمته مع الهيئة المذكورة، فقد تجاوزها إلى خطاب سياسي، كشف وعرى الحاكم العسكري بصفته وشخصه، وأثبت عدم جدارته برئاسة البلاد، ثم مع إدراكه بأنه وقد تكلم فعليه أن يفقد الأمل تماما في الحصول على مستحقاته، فإنه يقدم نفسه باعتباره معنياً بأمر المصريين، ومشغولاً بأزمة الحكم وفشله في تصريف حياة الناس!
لو كان يتحرك مدفوعاً بأزمته الشخصية لما تجاوز في خطابه رئيس الهيئة الهندسية السابق كامل الوزير، أو الضباط الذين تعامل معهم بشكل مباشر، ولما كان السيسي موضوعه، لكنه هنا ينطلق من وعي سياسي؛ أضر بموقف النظام الحاكم، فضرب لخمة، وعجز عن الصد والرد!
لقد ضرب محمد علي مشروع السيسي في مقتل، وهو الذي يقوم على تقديم مصر باعتبارها بلدا فقيرا، إلى حد أنه لو كان يجد من يشتريها لباع نفسه من أجل سد العجز في الموازنة العامة للدولة. ثم انتقل محمد علي خطوة أخرى للأمام، فأثبت للناس أن مصر بلد غني، فقط يحتاج إلى من يحسن إدارته، وهذه نقطة مهمة للغاية!
لا خوف من المجهول:
إن خوف المصريين من المجهول، كان دائما هو من العقبات التي واجهت ثورة يناير، واستغل هذا المجلس العسكري في استمرار الفوضى، كما استغلته أحزاب الأقلية في إسقاط حكم الرئيس محمد مرسي. فعوام الناس يعشقون الاستقرار ولو بالإقامة في المقابر، فمن الذي يضمن ألا تتحسن الأوضاع وأن يكون التغيير إلى الأفضل إذا قامت الثورة، أو أجبر السيسي على مغادرة القصر الرئاسي؟!
لقد صور السيسي الفقر على أنه قدر، فهو يعمل كل ما في وسعه من أجل انتشال الشعب المصري من العوز، وأن هناك جيلين لا بد أن يقضى عليهما تماماً، ليشعر المصريون بثمار التنمية، وهو شعاره "مافيش".. "مافيش" ولو كنت أقدر أديك هأديك!
وأثبت محمد علي أن الحاكم يكذب، وأنه بدد مقدرات مصر، لتعويض ما فاته من الدنيا، بعد عشر سنوات قضاها يعيش على الماء فقط، فيرمي المليارات في صحراء جرداء، لتأسيس ما يسمى بالعاصمة الإدارية الجديدة، وينفق الملايين على مشروع فاشل اسمه قناة السويس الجديدة، وينفق ثلاثين مليون جنيه على حفلة افتتاحها ليقدم نفسه على أنه إمبراطور مصر وليس مجرد رئيس، ويتم الدفع من لحم الحي أكثر من مليوني جنيه من أجل تمهيد الطريق إلى مدافن العائلة، ليمر الأمبراطور عبد الفتاح السيسي منه لتشييع جثمان الوالدة.
ثم يكلف قصرا الملايين من أجل أن يقيم فيه ليلة واحدة مع "العائلة المقدسة"، ويقوم بتشييد قصور وبيوت بأعداد غير مسبوقة من أجل ذاته وأركان حكمه فضلاً عن الأنفاق، ويجامل بالمليارات؛ كما جامل صديقه الجنرال بملياري جنيه لإقامة فندق في أرض لا زرع فيها ولا ضرع.
إن هذا الخطاب يستهدف القول إن أي بديل وبأقل درجة من الرشد، ولو لم يفعل شيئاً سوى التوقف عن تبديد مقدرات البلد، يستطيع أن ينتقل بأوضاع الناس المعيشية من حال إلى حال، فإذا أوقف الفساد كان هذا كفيلا بأن تودع مصر العوز إلى الأبد، ولن تودعه ما دام عبد الفتاح السيسي في الحكم، وهو الذي يتاجر في الفقر.
إن خطاب محمد علي يؤسس لفكرة طوي مصر لمرحلة السيسي.
وما ذلك على الله بعزيز.
أضف تعليقك