بقلم قطب العربي
أما المقاول الفنان المقصود هنا فهو محمد علي صاحب إحدى شركات المقاولات المصرية التي ترتبط بعقود عمل ممتدة مع المؤسسة العسكرية في مصر ممثلة في الهيئة الهندسية، وأما الذين سبقوه بإحسان فهم كل من شارك من قبل في فضح الفساد سواء المدني أو العسكري بالقول أو الكتابة أو التحرك القانوني إلخ.
الحدث الأبرز
التسجيلات المصورة للمقاول الفنان محمد علي عن فساد العقود والمشروعات الهندسية العسكرية هي الحدث الأبرز الآن في مصر الذي تبذل السلطات كل وسعها للتشويش عليه، سواء بطرق ناعمة أو غليظة، ومن ذلك محاولات صناعة كذبة كبرى بحق الراحل عبد الله مرسي نجل الرئيس الشهيد محمد مرسي، أو إظهار مكالمة جنسية لمحافظ الإسماعيلية مع إحدى الساقطات وهو ما ترتب عليه إقالته لاحقا، أو استدعاء أحد المعارضين السابقين المنشقين الذين ضاقت بهم السبل في تركيا، ومحاولة إيهام الرأي العام أنه الشخص الثاني في قيادة الإخوان المسلمين(رغم أنه لم ينتم يوما للإخوان)، وتخصيص حلقات مطولة له مع أبرز الأذرع الإعلامية للنظام لبث حكاوى القهاوي عما يحدث بين رموز المعارضة المصرية في المنفى، ثم الإعلان عما وصفته الأجهزة الأمنية بشبكة للتهريب والتجارة غير المشروعة مع تركيا وهو أمر مضحك للغاية لأن هذه العمليات البسيطة "تجارة شنطة" يقوم بها مصريون عاديون لا ينتمون لأي تيار سياسي وليس لهم علاقة أصلا بالسياسة وهو ما يسمح لهم بحرية الحركة والسفر من مصر إلى تركيا والعكس، وحمل بعض الأغراض البسيطة أو الأوراق الرسمية التي يحتاجها المصريون في تركيا مثل شهادات الميلاد وشهادات التخرج من الجامعات وشهادات الخبرة لمن يبحثون عن فرص عمل أو يلحقون أبنائهم بالمدارس أو الجامعات الخ، ثم جاءت مداهمة منزل الصحفي مجدي شندي رئيس تحرير صحيفة المشهد الأسبوعية واختطاف ابنه الطالب الجامعي، وذلك كرد فعل خشن على ما نشرته الصحيفة عن تسجيلات محمد علي وأخيرا وليس آخرا الإعلان بشكل مفاجئ عن مؤتمر استثنائي للشباب يوم الجمعة حتى يتمكن السيسي من صناعة حدث جديد للتشويش على تسجيلات محمد علي وربما الرد على بعض ما ورد فيها وتجديد الثقة بالجيش المصري.
العار
نسجل هنا تطورا في أداء المعارضة وإعلامها في الخارج تجاه هذا التشويش، إذ إن هناك استراتيجية ثابتة وهي التركيز فقط على فيديوهات المقاول محمد علي وعدم الإنشغال بالرد على ما عداها من "مشاغبات" وبالتالي تبقى الفضائح التي يبثها محمد علي تباعا هي القضية المركزية وتصبح الوسومات المعبرة عنها"الهاشتاجات" هي المتصدرة لمواقع التواصل الاجتماعي على مدى الأيام الماضية رغم كل الجهود المكثفة للجيوش الإلكترونية لنظام السيسي.
ما يفعله محمد علي من كشف للفساد حتى وإن كان شريكا فيه من قبل هو عمل مفيد بالتأكيد في صناعة أو استرداد الوعي الجمعي بما تتعرض له مصر من نهب منظم على يد حفنة من الجنرالات الذين يفترض بهم الدفاع عن ثروات مصر لا نهبها ، وحماية اقتصادها لا الهيمنة عليه، وما يقوم به هذا المقاول الشاب هو أشبه بعمل انتحاري حسبما يبدو من ظاهر الصورة، ويبدو أنه مصمم على استكمال طريقه رغم التهديدات الصريحة ضده
وبعيدا عن البحث أو التفتيش في النوايا فإن ما يقدمه محمد علي من معلومات عن الفساد داخل المؤسسة العسكرية هو المهم الذي ينبغي التركيز عليه، والتفاعل معه، فحتى لو تراجع محمد علي عن موقفه لأي سبب فستبقى تلك المعلومات عالقة في أذهان المصرييين، وستظل عارا يطارد أصحابها طيلة حياتهم، وسيظهر من يكمل الطريق.
التفاعل مع فيديوهات محمد علي لا يعني أنه أول من تصدى لفضح الفساد داخل المؤسسة العسكرية أو داخل دولاب الدولة بشكل عام، فقد سبقه الكثيرون الذين يقتضي السياق تذكرهم وتوجيه التحية لهم أيضا لأنهم دفعوا ثمنا باهظا، وانظر مثلا لما يحدث للمستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات والذي كشف بالمستندات فسادا بقيمة 600 مليار جنيه، ولا ننسى التسجيلات الصوتية التي بثتها قنوات المعارضة في الخارج وكشفت فيها دخول 40 مليار دولار(حوالي 600 مليار جنيه) منح ومساعدات مالية خليجية إلى مصر عقب إنقلاب الثالث من يوليو 2013، ولم تدخل ميزانية الدولة أو بنكها المركزي، كما نشرت العديد من المواقع تحقيقات استقصائية عن تفاصيل الإمبراطورية الاقتصادية العسكرية وتغولها على القطاع المدني، والأهم من كل ذلك هو ذلك الجهد الإعلامي الكبير لفضح نظام السيسي عموما، وهو ما مهد التربة أمام آخرين ليستجمعوا شجاعتهم ويدخلوا على خط معارضة أو مناهضة النظام العسكري بعد أن سكتوا كثيرا من قبل خوفا أو طمعا.
جهد تراكمي
لا تعارض على الإطلاق بين الاحتفاء بفيديوهات محمد علي وتقدير جهود سابقيه في كشف ومحاربة الفساد، فنحن أمام جهد تراكمي، يكمل بعضه بعضا، ربما يكون لشخص أو لمجموعة معينة جهد أكثر تميزا في بعض اللحظات، ولكن هذه الجهد يزداد ارتفاعا بانضمامه للجهود الأخرى، وليس بمنافستها، أو تجاهلها.
مواجهة الفساد في مصر معركة صعبة وممتدة، ولن تحسم في جولة واحدة أو حتى بضع جولات، لكن أي حجر يصيب فاسدا، وأي جهد يستنقذ مالا عاما، وأي هتك لبعض الفاسدين هو جزء مقدر من هذه المعركة الطويلة، علينا أن ندرك الآن أن مؤسسة الفساد هي بذاتها التي تحكم مصر مرتدية زيا عسكريا وممسكة بأسلحة فتاكة تقصف بها من يواجهها، ومع ذلك فإن من دواعي الفخر أن هناك من لا يأبه بهذا الغشم أوتلك الأسلحة، وكما ظهر محاربون للفساد طيلة الفترة الماضية أمثال يحيي حسين وهشام جنينة ومحمد علي والقنوات المناهضة للانقلاب فسيظهر آخرون مستقبلا ليبنوا على جهود من سبقهم ويواصلوا المعركة حتى اجتثاث الفساد كاملا.
أضف تعليقك