• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: سليم عزوز

لا حديث في “مصر المحروسة” الآن، إلا عن الفنان المقاول، أو المقاول الفنان، “محمد علي”، الذي خرج عن طوع دولة العسكر، وصوب تجاهها مدفعيته الثقيلة، والتي لم تكن أكثر فيديوهات (وصلت إلى خمسة حتى كتابة هذه السطور)، فإذا بها هشيما تذروه الرياح، أو “كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف، لا يقدرون بما كسبوا على شيء”.

صاحبنا، أو بالأحرى صاحبهم، ليس من الإخوان، وليس من أنصار الشرعية، وليس من الرافضين للانقلاب، وهو في الفعل السياسي كان ضد هؤلاء؛ حيث كان من الذين شاركوا في حصار الاتحادية، في زمن الرئيس محمد مرسي، ثم إنه كان من الذين خرجوا في الثورة المضادة في 30 يونيو 2013، وهو – كذلك – من العشرة المبشرين بالتعامل مع الجيش، حيث الإسناد بالأمر المباشر، لأنه يملك شركة “أملاك” وهي واحدة من عشر شركات للمقاولات تعمل في هذه “العزبة”!

ومصدر قوة “محمد علي” أنه هنا منهم وإليهم، وأنه شاهد رؤية لا شاهد رأي، وأنه المصدر المعلن، وليس المصدر الذي رفض ذكر اسمه مما يدفع للتردد في تسليم بما يقول عند استقبال كلامه، وأنه لم يظهر على قنوات الأعداء سواء في قطر أو تركيا، لكنه يقوم بالبث المباشر على “فيسبوك”، فيكون التواطؤ من مارك ابن أبيه، بحذف “الفيديو الأول”، وتسهيل عملية اختراقهم لصفحته الأولى، وإغلاق صفحته الثانية!

وقد نسب لإدارة “فيسبوك” القول إنها تلقت شكوى بادعاء قناة “الحياة مسلسلات”، أن الفيديو يخصها، وعليه فقد تم ايقافه، وكأن مطلوب منا أن نسلم بأن الأمر تم بحسن نية وسلامة طوية، لاسيما وأننا نتحدث عن “فيديو” لا يحمل “لوجو” القناة، وليس حواراً بين ضيف ومذيع، ولكنه بث مباشر لصاحب الصفحة نفسها، وهي حالة من الهمة لا نجدها إلى عندما تكون البلاغات في أي شيء يخص اسرائيل، وقد تم ايقاف صفحتي مؤخراً لأنني في “بوست” عن حزب الله ذكرت كلمة “المقاومة”. وقد أغلقت الصفحة لذات السبب أكثر من مرة، اعتماداً على منشورات قديمة في مناسبات الاعتداء الاسرائيلي على غزة، في عامي 2009، و2014، ويبدو أن مارك هنا انتقل من حماية اسرائيل، إلى حماية أصدقائها في القاهرة!

ما علينا، فهذه أحد التحديات التي تواجه الإعلام الجديد، ليؤكد استمرار قيمة الإعلام القديم، فقد انتشرت الفيديوهات عبر الإعلام القديم ممثلاً في القنوات التلفزيونية، وكما قال المثل المصري الدارج عند تعدد الزوجات: “القديمة تحلى ولو كانت وحلة”، فالشاشة الصغيرة ثبت كل يوم التفوق على كل زحام السيوشيال ميديا بالمسميات المختلفة، فإذا استطاعت الأنظمة السيطرة على منصات التواصل الاجتماعي، وحجب المواقع الإلكترونية، فإنها تظل عاجزة عن وقف إرسال القنوات التلفزيونية من اختراق مجالها الجوي، واقتحام البيوت!

لذا فقد انتشرت الفيديوهات بشكل كبير عبر قنوات تركيا: “مكملين”، و”الشرق”، و”وطن”، لا تسألني عن قناة “تي آر تي” التركية، فهى محطة تلفزيونية تدار من خارج المجرة، وإذا لم تهتم قناة “الجزيرة” بهذه الفيديوهات حتى كتابة هذه السطور، فإن “الجزيرة مباشر” جعلتها موضوعها، وذات بث مباشر لمحمد علي، وكان النقاش في برنامج “المسائية” عنه، تم نقل بثه على الهواء مباشرة على “شاشة الجزيرة مباشر”.

المليارات من أجل صديق السيسي:

لقد روى محمد علي، كيف أن ضابطا كبيراً، صديقا للسيسي، عرض عليه إنشاء فندق، في منطقة غير سياحية ولا يمكن أن تكون جاذبة للسياح، ولا يمثل وجود فندق بها أي قيمة تجارية، غير أنه في موقع يستمد إستراتيجيته من وجوده أمام فيلا الضابط الكبير صديق السيسي، وقد عرض عليه الأمر شفاهة ووافق له، ليبدأ العمل في اليوم التالي، بدون أي خطة، وأن قيمة هذا الفندق تعدت ملياري جنيه، وقد أسند التنفيذ لشركة “أملاك” بالأمر المباشر، وبدون دراسة جدوى، أو رسوم هندسية، وحدث نزاع بين الهيئة الهندسية بالجيش، باعتبارها التي تنفذ المشروع، والمخابرات الحربية المالكة له، هذه تقول لصاحب الشركة توقف عن التنفيذ، وتلك تقول لا تتوقف، ليتم الانتهاء من الفندق في سنة واحدة، وكان المطلوب أن ينتهوا منه في شهرين، لا تسأل كيف هذا فهذه واحدة من تجليات الفكر العسكري الرشيد، الذي تنتجه هذه العقلية المعملية الفذة!

ويتحدث “محمد علي” كيف أن السيسي طلب، هدم فيلا عبد الحكيم عامر، وزير الحربية في عهد عبد الناصر، لبناء قصر له عليها، تكلف 60 مليون جنيه، عندما كان وزيراً للدفاع، لاحظ أن هذا كان ورئيس الدولة القائد الأعلى للقوات المسلحة الدكتور محمد مرسي يعيش في شقة بالإيجار، فلم يبن قصراً، ولم ينتقل إلى قصر!

وقال صاحب البث المباشر، إنه في يوم حصار قصر الاتحادية، جاء السيسي وأهل منزله ليشاهدوا القصر ويضعوا لمساتهم، ويحددوا طلباتهم، ويتم طلب تعلية السور، حتى صار مرتفعاً بشكل مبالغ فيه، وإلى حد أن يصفه “محمد علي” ساخراً بسور الصين العظيم!

والغريب أن البلد كانت تتعرض لحالة فوضى، والقصر الرئاسي محاصر ويجري اقتحامه، وحياة الرئيس ومن معه في خطر، بينما السيد وزير الدفاع وأهل منزله يشغلهم القصر الذي سينتقلون إليه، حيث يتم بعد ذلك، وبعد أن صار رئيساً بناء خمسة قصور له وقادة الجيش في منطقة “الهايكستب” العسكرية، ثم ثلاثة قصور أخرى للحكم والإدارة، يربطها بقصور الإقامة “نفق”، قبل أن ينتقلوا إلى قصور جديدة فيما قال عنه “محمد علي” بـ “الكيان”، وفي انتظار أن يوضحه في بث جديد، لا نعرف متى بعد السطو على صفحته الأولى، وإغلاق صفحته الجديدة.

ويبدو المقاول الفنان، في دهشة من الإصرار على صناعة نفق، والارتفاع بسور المحيط بقصر منطقة حلمية الزيتون إلى أن يصبح سور الصين العظيم، ولا يدرك أنه الهاجس الأمني، فلا يشعر بالأمان وهو في منطقة عسكرية، فيقرر أن يكون مروره عبر نفق إلى قصر الحكم!

ويروي الفنان المقاول كيف أن استراحة المعمورة تكلفت 25 مليون جنية من أجل تجديدها ليقضي فيها السيسي وأهل منزله يوما واحداً في العيد، وأن شركته هي من قامت بذلك!

ويروي أنه من قام على احتفال افتتاح قناة السويس وكيف أن كلفته كانت 30 مليون جنيه، ثم انتقل ليتحدث عن قصور رئاسية أخرى في مناطق مختلفة، ولم يذكر قصر مدينة العلمين، الذي شاهدناه مؤخراً.

“فقرا أوي”:

وهو أمر كاشف عن حالة السفه في تشييد قصور، ليوم واحد، أو لأيام قبل الانتقال إلى قصور جديدة، والسيسي لم يتوقف عن الشكوى من قلة الحيلة، والفقر، والعوز، ودعوته للمصريين بالتبرع لمصر ولو بجنيه، ثم يتحدث عن “الفكة” ويقول إنه بحاجة إليها، ولا تدفع الدولة من ميزانيتها جنيهاً واحداً لإعادة ترميم معهد الأورام، فيتم فتح باب التبرعات، لأن مصر فقيرة، ولأنها الدولة المعيلة، ولأننا بحسب كلامه “فقرا أوي”، ولأننا فقراء جدا، فانه يقوم برفع الدعم عن المحروقات، ورفع أسعار تذاكر وسائل المواصلات، ويحجب خمس علاوات مستحقة لمن خرجوا على التقاعد!

ولأننا “فقرا أوي” فهو يسمم اللقمة التي “يطفحها” المصريون، فيدعوهم للاكتفاء برغيف واحد، من أجل الرشاقة، فقد أكلت البدانة الأخضر واليابس!

ما يذيعه “محمد علي” له علاقة وثيقة بهيمنة الجيش على الاقتصاد، وله علاقة مباشرة بهيمنته على قطاع المقاولات، وإذا كان هناك عشر شركات فازت باللذات، وهناك شركات كثيرة لا عمل لها بعد هذا التأميم، فإن الشركات العشر تواجه الإفلاس، فقد دفع أصحابها من جيوبهم، ثم استدانوا من البنوك، من أجل القيام بالمطلوب منهم، لكن في المقابل لم يحصلوا على حقوقهم، كما شركة “أملاك”، وهذا في الحالتين عملية تدمير تجري بجهل، لمقومات الدولة المصرية.

بيد أن الأهم لدى جموع الناس، هو عملية إهدار الموارد، وهذا الإنفاق السفيه، لرجل يندفع بسرعة الصاروخ للعيش في صورة الإمبراطور، وليس فقط الملك، ومصر تعاني من التخمة في القصور الرئاسية التي ورثتها من أيام الملكية، فكيف تهدر أموال مصر على قصور لليوم الواحد، أو للإقامة المؤقتة، في حين يقال لهم “أنتم فقرا أوي”!

وفي تقديري أن هذا هو أخطر ما أذيع عن حكم السيسي منذ وقوع الانقلاب العسكري، مع خالص احترامي للجميع، بمن فيهم شخصي المتواضع، الذي يقف على خط المواجهة مع هذه الدولة، وقد اشرأبت الأعناق إلى أحمد موسى، باعتباره المتحدث الرسمي عن السيسي، بعد الإطاحة بأسامة كمال، الذي لم يكن يصلح سوى لقراءة موجز الأخبار، وهو صاحب الأداء الباهت، والطلة الباعثة على النوم، فموسى هو الباقي له، والباقي يعملون متطوعين، أما عمرو أديب، فليس ممن يتم اللجوء إليه في الملمات، لأنه متعدد الولاءات، ولأن مرجعيته في “الرياض الأشرف” على وزن “النجف الأشرف”!

لقد تمخض أهل الحكم فولدوا فأراً ميتاً، حيث تمت استضافة والد محمد علي في برنامج “أحمد موسى”، وإذا به يدين ابنه، والذي يتوقع أنه خضع لعملية غسيل مخ في الخارج، بعد أن أرسل له “معتز مطر” و”هشام عبد الله” طائرة خاصة تحمله إلى الإمارات، قبل أن يصوب له “أحمد موسى” المعلومة: “إلى قطر”. لكن في إدانته لابنه الذي يعترف على نفسه أنه كان جزءاً من فساد القوم، لم يبرئ السيسي مما هو منسوب إليه.

لا بأس، “محمد” تسيطر عليه القوى الغيبية، ويدار بواسطة الجان، وقد عض اليد التي امتدت له بالإحسان، فماذا عن قصور السيسي والأموال المهدرة؟!

ثم إن والد محمد علي، اعترف في معرض دفاعه عن الجيش أنهم حصلوا على مئات الملايين من الجيش، حسناً على أي أساس؟ بأعمال في المجالات المدنية وبالإسناد المباشر؟ وهل هذا يحدث في أي دولة محترمة!

هل سمعت من قبل عن “فضيحة بجلاجل”؟!.. هذه “الفضيحة بجلاجل”!

 

أضف تعليقك