بقلم: عادل سليمان
كان اليمن من أوائل الدول التى وصلت إليها شرارة الربيع العربي، والشعب اليمني في حقيقة الأمر. كان مهيئاً تماماً للثورة على نظام علي عبد الله صالح الذي امتد قرابة 35 عاماً، أصبح فيهاً شمولياً، قمعياً، مستبداً، ويكاد يتحول إلى وراثي. والسمة الغالبة عليه هي الفساد. لذلك ما كادت رياح الربيع العربي تهب على تونس ومصر، وتؤدي ثمارها المبكرة إلى رحيل زين العابدين بن علي في 14 يناير/ كانون الثاني 2011، وأعقبه حسني مبارك في 11 فبراير/ شباط، حتى انطلقت موجة الثورة اليمنية في اليوم نفسه، 11 فبراير، يقودها الشباب، والنخب الوطنية، ولبت نداءها جماهير الشعب اليمني المتطلعة إلى الحرية والعدل والديمقراطية.
كان للتركيبة المجتمعية اليمنية، شديدة الخصوصية، وشديدة التعقيد أيضاً، تأثير كبير على مسارات الثورة اليمنية، حيث تتعدّد الولاءات ما بين الولاءات القبلية والولاءات الطائفية بين الزيدية والشافعية، أو الزيود والشوافع بالتعبير اليمني، بالإضافة إلى ظهور تيار الإخوان المسلمين متمثلا في حزب التجمّع اليمني للإصلاح، والولاءات المناطقية بين الشمال وشمال الشمال، بأقاليمه وقبائله، والجنوب بموانئه وجزره وأرخبيله. ومن ناحية أخرى، كان للوضع الجيوسياسي، والمكانة الجيوستراتيجية لليمن، بحكم موقعه المسيطر على مضيق باب المندب، وجواره الجغرافي من سلطنة عُمان وبحر العرب، وجواره الجغرافي الأهم، من الحد الجنوبي للعربية السعودية، كانت تلك عوامل مؤثرة على الدورين، الإقليمي والدولي، في مسارات الأحداث التى أعقبت إنطلاق شرارة الثورة اليمنية.
كما أتاحت ظروف الحراك الثوري الشعبي الفرصة لصعود قوى طائفية، في مقدمتها تيار أنصار الله الذي يقوده الحوثي، ويمثل التيار الزيدى المتطرّف، وتيار حزب الإصلاح، وقوى قبلية أو مناطقية، متمثلة في الحراك الجنوبي، واللواء علي محسن الأحمر قائد إحدى فرق الجيش اليمني، وأحد أبناء قبائل حاشد، وهي إحدى قبائل اليمن الكبرى، والذي أظهر تعاطفه مع قوى الثورة. وعلى الجانب الآخر، كانت هناك السلطة الشرعية التي يمثلها علي عبد الله صالح، مستنداً إلى جناح عسكري متمثل في قوات الحرس الجمهوري التي يقودها نجله أحمد، وبعض الوحدات العسكرية، وجناح سياسي متمثل في حزب المؤتمر الشعبي الذي يرأسه، ويتولّى أمانته العامة نائبه، عبد ربه منصور هادي.
أدت كل تلك العوامل والتعقيدات إلى عدم قدرة أيٍّ من أطراف الصراع في اليمن على حسم الموقف لصالحه، وهو ما كان يمكن أن يعرّض اليمن لحالة من الفوضى، والاقتتال الداخلي غير المسيطر عليه، وهو ما يمكن أن يمثل مخاطر على أمن المنطقة ذات الأهمية الإستراتيچية بصفة عامة، وعلى أمن الجوار المباشر المتمثل في السعودية، بصفة خاصة، وبدأت السعودية مسيرة تدخلها في الشأن اليمني من خلال تقديم مبادرة باسم مجلس التعاون الخليجي، تدعو من خلالها إلى إجراء حوار وطني بين مختلف القوى اليمنية للوصول إلى مخرج مقبول من الموقف المأزوم في اليمن، كان ذلك هو المدخل الأول للتعامل مع الشأن اليمني، ثم توالت الأحداث بعد ذلك وتطوّرت بسرعةٍ، وبشكل درامي، عندما تعرّض على عبد الله صالح لمحاولة اغتيال، نجم عنها إصابته بحروق شديدة، وتم نقله إلى السعودية للعلاج، وخلال فترة علاجه، وضعت السعودية خطة التحرّك داخل اليمن، لترتيب أوضاعه طبقاً لما يحقق مصالحها.
وكانت الشرعية المسوّغ الذي ارتأت السعودية أنه المدخل المقبول إقليمياً ودوليا، لإضفاء المشروعية، على تدخلها في الشأن اليمني. ومن هنا كان حرص السعودية على وجود نظام له شرعية في اليمن، يتعامل معها، لذلك جاءت مبادرتها للحل على أساس تخلى صالح عن السلطة، مع توفير الحصانة له ولأسرته، ويتولى الرئاسة خلال مرحلة انتقالية، مدتها عامان، وبشكل توافقي، نائبه عبد ربه منصور هادي، خلاصة المبادرة الحفاظ على النظام، مع نقل الشرعية من صالح إلى هادي. ثم سارت الأمور على غير ما أرادت السعودية، حيث فشل هادي في السيطرة على الموقف، وتمكّن الحوثيون من الانقلاب عليه، ما دفعه إلى إعلان استقالته، ثم تمكّنه بمساعدة السعودية، من الانتقال إلى عدن، حيث أعلن تراجعه عن الاستقالة، وعدم اعترافه بانقلاب الحوثي، واتخاذه من عدن عاصمة مؤقتة لليمن.
يعنينا هنا أنه أمكن استصدار قرار من مجلس الأمن، يعترف بشرعية حكومة هادي، ويدعو الحوثي إلى تسليم مقار الحكم في صنعاء، وما تم الاستيلاء عليه من وحدات وأسلحة الجيش اليمني. وكان ذلك القرار رقم 2216 محور الارتكاز في التحرك السعودي بعد ذلك، بصرف النظر عما جرى على الأرض اليمنية بعد ذلك، من زحف الحوثي إلى الجنوب، ووصول قواته إلى مشارف عدن، واضطرار هادي إلى الرحيل مرة أخرى إلى الرياض، ونقل حكومته (الشرعية) إليها. وباسم تلك الشرعية التي أقرّها مجلس الأمن، تقدّم هادي بطلب إلى السعودية للتدخل العسكري لاستعادة تلك الشرعية من يد الانقلاب الحوثي.
ليست هذه السطور بصدد استعراض سير الأحداث والتطورات منذ استندت السعودية إلى طلب "الشرعية" اليمنية، وشكلت التحالف العربي، وشنت حربها على اليمن تحت عنوان "عاصفة الحزم" ثم "إعادة الأمل". وعلى مدى نحو خمسة أعوام، تعرّض الشعب اليمني لأكبر كارثة إنسانية، طبقا لتقارير المنظمات الإنسانية الدولية، فما اقتلعت العاصفة الحوثي، ولا الأمل عاد إلى الشعب اليمني. ولكن ما انتهت إليه الأمور أن الحوثي ازداد قوة، ولا يزال يحتل العاصمة صنعاء، وشمال الشمال الذي يضم النسبة الكبرى من اليمنيين، بل ويهدّد السعودية في عقر دارها. بينما تفرض السعودية سيطرتها ونفوذها على بعض مناطق الشمال، والأهم منطقة شبوة وسواحلها القريبة من بحر العرب، ومنطقة المهرة المجاورة لسلطنة عُمان، بينما فرضت الإمارات نفوذها على عدن ومعظم الجنوب اليمني، عبر ما يُعرف بالمجلس الإنتقالي وقوات الحزام الأمني. وجاء أخيرا استيلاء المجلس الانتقالى الجنوبي (الانفصالي)، المدعوم من الإمارات، على العاصمة المؤقتة للشرعية، عدن، وطرد عناصر حكومة هادي منها، وإعلان المجلس صراحةً أنه لن يتوقف قبل السيطرة على كل جنوب اليمن، وإعلان استقلاله.
ولأن السعودية تدرك تماماً أن المأزق الحقيقي الذي يمكن أن تواجهه هو سقوط الشرعية في اليمن، وهذه هي المبرّر الوحيد لوجودها على الأرض اليمنية، وذلك ما لم تدرك شريكتها، الإمارات، فقد عملت هذه بسرعة على منع وصول قوات الحزام الأمني إلى شبوة، إحدى أكبر محافظات الجنوب وأهمها، وقامت بتأمينها، وإرسال عدد من وزراء حكومة هادي إليها، في رسالةٍ مضمونها أن شرعية هادي ما زالت قائمة، وموجودة في اليمن بطلب من تلك الشرعية المعترف بها دوليا، ودعماً لها.
لعبة الشرعية هي اللعبة الرئيسية للسعودية في اليمن، فلتبقَ الشرعية قائمة، حتى لو كانت مجرّد رمز، بلا سلطة، ولا نفوذ، ولو بمجرد موطئ قدم داخل الأرض اليمنية، حتى تُحقق السعودية كل مآربها فى اليمن الذي كان سعيدا.
أضف تعليقك