بقلم: ياسر أبو هلالة
لا يمكن لعاقل أن يدافع عن تجربة علي عبدالله صالح في الحكم، فهو حاكم جمع أسوأ ما في الإرث القبلي والمذهبي والدولة الشمولية المستبدّة، وغادر الحكم تاركاً وراءه واحدة من أفشل دول العالم في الاقتصاد والبنية التحتية والتعليم والفساد.. كان عادلاً في توزيع الفقر والتخلّف والأمية والفساد. لم يُقم شراكات واسعة على مستوى وطني، لا سياسياً ولا قبلياً، بقدر ما اتبع طريقة مافيوية تختص بالمكاسب فئة قليلة من الأزلام، وتبطش بشدة بالمخالفين. لم يكن حال الشمال في حكمه أفضل من حال الجنوب، لكن فشل الدولة نتج عنه فشل الوحدة، وعزّز مطالب القوى الانفصالية، سواء في فترة الثورة، أم بعد التدخل العسكري الإماراتي.
لم تكن الإمارات لتنجح في تقسيم اليمن، لولا وجود قاعدة شعبية مؤيّدة للانفصال، فمع أن دولة الجنوب كانت فاشلة، حكمها حزب شمولي، انقسم جهوياً وقبلياً متسبباً في واحدةٍ من أسوأ الحروب الأهلية بين ما عرف بـ"الطغمة" و"الزمرة"، ظل بنظر جنوبيين كثيرين أهون شراً من تجربة الوحدة، فأكثرية المستفيدين من نظام صالح هم أبناء منطقته في الشمال الذين استباحوا الجنوب ونهبوه. ما لم تحدث معجزة، فإن استراتيجية الإمارات بتقسيم اليمن ماضية، والسعودية عاجزة أو متواطئة. تريد الإمارات جنوباً ضاغطاً على عُمان وشمالاً ضاغطاً على السعودية، سواء حكمه أحمد عبدالله صالح أم عبد الملك الحوثي. وفي الأثناء، تصفية حزب التجمع اليمني للإصلاح واستمرار الشراكة مع أميركا في محاربة "القاعدة". الجزء الوحيد الذي سيتحقق من الاستراتيجية هو التقسيم الذي سينشئ نظاماً في الجنوب أسوأ كثيراً من نظامي صالح والحزب الاشتراكي، قوامه عصابات وأمراء حرب لا يتقنون غير النهب والاحتراب.
لك أن تتخيل نظاماً يقوده هاني بن بريك، تنقل في حياته من أحضان القاعدة إلى علي عبدالله صالح فمحمد بن نايف وصولاً إلى محمد بن زايد. لن يكون حال جنوب اليمن أفضل من حال جنوب السودان بعد انفصاله فقراً واقتتالاً. كيف للفكر السلفي المدخلي (أتباع الشيخ التكفيري المتشدد ربيع المدخلي) أن يبني دولةً، ويدير العلاقة مع مكونات المجتمع المنوع قبلياً وجهوياً وفكرياً وسياسياً؟ فشل كهذا يحيي سلطنات ما قبل الاستقلال، وستجد كل سلطنة علماً وشيخاً وموارد سرقت منها تقاتل لاستعادتها. لن تستطيع الإمارات الاستيلاء على الموانئ والجزر، وترك اليمنيين يتقاتلون، وترك مسؤولية الدولة المحتلة أو المستعمرة في حال الإمبراطورية الإماراتية. كل طرف يريد تمويلاً لحربه، ولا توجد موارد في الجنوب كافية لأمراء الحرب.
يظل أمل اليمن الوحيد في شباب الساحات الذين ثاروا على نظام صالح، وحاولوا إخراج بلدهم من ظلمات الاستبداد والفساد، وصنعوا هوية جامعة لليمن. تجار الهويات المذهبية والمناطقية والقبلية سواء في الإمارات أم إيران يدمرون حاضر اليمن ومستقبله، شباب اليمن لن يتقاسمهم فقيه الولي بن بريك، ولا الولي الفقيه الحوثي. سيواجهون جبهتين، مهما طال الزمن.
أضف تعليقك