بقلم: سليم عزوز
حدث ما كان متوقعًا، وقامت قوات الأمن المصرية بتصفية سبعة عشر شابًّا، بتهمة القيام بتفجير معهد الأورام!
فمنذ أن تم الإعلان عن مسؤولية حركة "حسم" والناس في بلدي يضعون أيديهم على قلوبهم، لأن هذا الإعلان ـ وكما جرت العادة ـ يمثل تمهيداً لعملية تصفية جسدية في الطريق، فقد اعتمدت السلطة هذا الأسلوب بديلاً عن المحاكمات التي لا تستر العورات حتى مع الإدانة، ومنذ تفجير مديرتي أمن القاهرة والدقهلية واتهام أحد الأشخاص بالضلوع في الجريمتين، قبل أن يتأكد أنه مختفي قسرياً، ليتبين أنه كان معتقلاً على ذمة حادث آخر قبل وقوع التفجيرين، وقد صدر الحكم بإعدامه على ذمة هذه القضية، ولم نعرف إلى الآن الجناة في تفجير مديرتي أمن القاهرة والدقهلية؟!
لقد قال بيان وزارة الداخلية إن السبعة عشر فرداً الضالعين في جريمة انفجار معهد الأورام، هم من ثلاث محافظات. ليتم تصفيتهم جميعاً، ربما في لحظة واحدة، في تبادل لإطلاق النار، في عمليتين منفصلتين، ليموتوا جميعاً (كما هي العادة) وبدون أي إصابات في صفوف قوات الأمن (كما هي العادة أيضا)، ليفوتنا بموتهم جميعاً فرصة معرفة تفاصيل العملية الإرهابية التي كانوا قد عقدوا العزم على ارتكابها، كما تقول الرواية الأمنية، والتي تؤكد أن التفجير أمام معهد الأورام حدث بالخطأ.
لا بأس، فقد فعلها الإخوان، وقاموا بالعملية الإرهابية أمام المعهد، لكن هل كان الأمر يستدعي ستة عشر ساعة من وقوع الانفجار المروع، حتى يتم التوصل لهذا الاكتشاف، وهو أن الإخوان قد فعلوها عبر حركة "حسم " التابعة للجماعة؟!
كانت البيانات الأولية تستبعد تماماً أن يكون الحادث من جراء عملية إرهابية، فقد قيل إن سيارة كانت تسير بعكس الاتجاه فاصطدمت في ثلاث سيارات أخرى، ما أدى لهذا الانفجار، لكن بعد ذلك نشر عبد الفتاح السيسي على صفحته الرسمية على "الفيس بوك" إنها عملية إرهابية، وصدر بيان وزارة الداخلية الذي يؤكد على هذا المعنى، ويحدد التنظيم الذي يقف وراء الحادث، وهو جماعة الإخوان المسلمين، عبر حركة "حسم"، وأن سيارة كانت تحمل متفجرات في طريقها لارتكاب عملية إرهابية، سارت بعكس اتجاه السير، فاصطدمت في سيارة أخرى، فحدث هذا الانفجار الكبير!
وقيل إن هذه السيارة مسروقة، من محافظة المنوفية، وتم الإبلاغ رسميا عن اختفائها منذ ثلاثة شهور، ولم ينشر اسم مالكها، وجهود الإدارة المختصة في العثور عليها، كما لم ينشر اسم السارق، فإذا سلمنا بقدرة الأجهزة المختلفة على التوصل إلى بيانات السيارة بعد الانفجار، ولم يبق من ملامحها شيء، فألا يعني هذا أنهم توصلوا لمن كان يقودها، وإلا فمن أين عرفوا أنه يتبع لحركة "حسم"، فلماذا لم يتم ذكر اسمه ومعلومات عنه؟!
السيارة تتجه إلى الخلف:
في فيديو منتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، شاهدنا بالفعل سيارة تتحرك للخلف، لتختفي عن الأعين وبعيداً عن الكاميرا، مع أنها لا تزال في نفس الشارع الرئيسي، وقيل إنها السيارة التي كانت تحمل المتفجرات، التي انفجرت بعد اصطدامها بسيارة أخرى (وليس ثلاث سيارات كما قالت الرواية الأولى)!
وإذا صحت هذه الرواية، لكنا أمام قصور أمني مخيف، فالسيارة تمت سرقتها من محافظة أخرى (المنوفية)، ورغم الإبلاغ عنها فإنها تحركت حتى وصلت للقاهرة، دون أن يستوقفها كمين، أو يرتاب في أمرها ضابط مرور، ثم إنها تتحرك داخل القاهرة، وفي شوارعها الرئيسة، ومحملة بالمتفجرات، فلا ينكشف حالها إلا بهذه الرعونة، التي نتجت عن السير عكس الاتجاه، والاصطدام بسيارة أخرى، وبعد أن حدث ما حدث!
لم يخبرنا البيان الأمني بالهدف الذي كانت السيارة في طريقها إليه قبل انفجار ما تحمله من متفجرات، وهل هو هدف كبير أم صغير؟ وهل هو داخل القاهرة أم خارجها؟
السلطة كانت تنزع عن كثير من الحوادث صفة الإرهاب، لأن وقوعه يشكك في جدارتها للحكم.
والتسليم بهذه الرواية أيضاً، يعني أن الإرهاب وصل إلى القاهرة، وهو أمر يقلق فلم يعد محصوراً في سيناء، أو في بعض المناطق النائية مثل الواحات، ففي أي شيء نجح عبد الفتاح السيسي، إذا صار أمن المصريين مستهدفاً، رغم أنه يستخدم الشرطة والجيش ويوجه كل الأجهزة الأمنية لهدف مواجهة الإرهاب، فهل صار الإرهاب أكبر من أن يواجهه، رغم ترسانة القوانين التي يستخدمها، ورغم سياسة القمع التي ينتهجها، ورغم بطشه بالجميع، بمن في ذلك من يخططون لخوض الانتخابات البرلمانية، وامتد قمعه إلى اعتقال الأطفال والنساء، وتلفيق الاتهامات لهم، في ظل حماية أمريكية تمنع عنه حتى الإدانة التي كانت تصدر في مواجهة مبارك!
إن المعلوم من عبد الفتاح السيسي بالضرورة، أنه يتاجر بقضية مواجهة الإرهاب، فلا يبدو له من دور يقوم به إلا هذه المواجهة، لكن لأنها سياسة الضرورة التي تقدر بقدرها، فقد كنا نتفهم أن يظل الإرهاب في سيناء، بما يمكن من تفريغها من السكان، ربما استعداداً لما أطلق عليه هو بلسانه بصفقة القرن، عندما التقى الرئيس الأمريكي، وقال له إنه معه فيها، ثم إنه بوجود الإرهاب في سيناء وقيامه بالتهجير القسري لبعض المناطق الحدودية، قد مكن لنفسه في مهمة جديدة أعلنها وهى حماية أمن إسرائيل!
لكن أن يصل الإرهاب إلى العاصمة المصرية، فإنه رسالة سلبية للسياح وللمستثمرين الأجانب، وإن كنا نعلم أن الأمور في هذين القطاعين ليستا على ما يرام، فلا يوجد تدافع من السائحين أو المستثمرين، فإن هذا يعني أن هذا العزوف سيظل لفترة طويلة، وهو أمر يطعن في كفاءة أي نظام، فماذا لو كان هذا النظام يستمد قيمته لدى أنصاره من القوة بمعناها العام، وأنها جاء من بيتها، وقد كانت الدعاية في زمن الرئيس المدني، أن هذا البلد يحتاج إلى "دكر"!
واحد مجنون والتاني ليمون:
على الرغم من أن نظام مبارك شهد الكثير من العمليات الإرهابية، فإنه حرص بعد هذه المرحلة على أن ينفي صفة الإرهاب عن كثير من العمليات وينسبها لمجانين، فحادث المتحف المصري قام به مجنون، وحادث نفق الهرم ارتكبه مجنون، مما كان سبباً في أن أكتب مقالاً ساخراً ضد هذا التهاون في التعامل مع الإرهاب كان عنوانه اسم لمسرحية شهيرة: "واحد ليمون والتاني مجنون"، وهو ما اعتبرته وزارة الداخلية إنه يهدم خطتها، فاتصل بي اللواء رؤوف المناوي مساعد الوزير لشؤون الإعلام والعلاقات العامة، معلنا ترحيبه بي في مكتبه، وأنه يترك لي تحديد اليوم وقرر أن يكون مساء، حيث السهرة تحلى بحسب قوله.
القصد، فإن السلطة كانت تنزع عن كثير من الحوادث صفة الإرهاب، لأن وقوعه يشكك في جدارتها للحكم.
ولست أشكك في أن هذه عملية إرهابية، لأنني لا أملك معلومات تقول بعكس هذا، لكني لا أستطيع التسليم بأن الفاعل هو جماعة الاخوان المسلمين، فقد نفت حركة "حسم" قيامها بهذه العملية، وقد اعترفت في السابق بقيامها بعمليات أخرى، فنحن في زمن يفخر فيه الإرهابي بعملياته، وأحياناً يدعي القيام بعمليات لم يقم بها!
والمقلق هو أن تكون سلطة الانقلاب العسكري معنية بتشويه خصم سياسي لتغطية العجز في الوصول لحقيقة الفاعل وأهدافه، وكيفية مواجهته، لأن هذا يعني تكرار العمليات ما دامت المواجهة ستستهدف الإخوان. ولماذا تستهدفهم؟ هل لا يزال القوم يمثلون خطراً على أهل الحكم بعد حملة الإبادة الإعلامية، وحملة الاستئصال الأمني؟!
لا بأس.. فعلها الإخوان! فهل أنتم مرتاحون لذلك؟!
أضف تعليقك