يُصدر السفاح عبد الفتاح السيسي بصورةٍ شبه دورية، قرارات بتخصيص مساحاتٍ شاسعة من الأراضي الصحراوية أو الساحلية لوزارة الدفاع، لأغراضٍ شتى، بعضها يكون معلناً وموثقاً في قرارات التخصيص، وبعضها الآخر تكون أغراضه غامضة وغير معروفة.
وبعد سنوات، يؤول مصير هذه الأراضي لتصبح من المشروعات الاستثمارية أو السياحية أو العقارية للجيش، ممثلاً في هيئاته المختلفة التي تنخرط في جميع الأسواق تقريباً، بدءاً من الإنتاج الزراعي والحيواني والسمكي، مرورا ببيع الغاز والبنزين والسلع الاستهلاكية بالتجزئة، وصولاً إلى مزاحمة وزارة البترول في إدارة بعض المشروعات.
وكانت أحدث حلقة من سلسلة التخصيص، مرّت يوم الثلاثاء الماضي، بإصدار السيسي قرارا يقضي بتخصيص أربع قطعٍ أرض بمساحة إجمالية تتجاوز مليون فدان، على أجناب محور شرق القناة - شرم الشيخ، سيؤدي ترابطها والتوصيل بينها إلى حجز معظم مساحة الضفة الشرقية لخليج السويس لصالح الجيش لاستخدامها في أغراض مختلفة لم يوضحها القرار، وترجح مصادر حكومية استغلالها في إنشاء مزارع ومصانع تابعة لجهاز الخدمة الوطنية وأجهزة أخرى في الجيش، منفردة، بدون التشارك مع مستثمرين محليين، وذلك استدلالاً بتصرف الجيش في الأراضي التي سبق أن خصصت له في جنوب سيناء.
كما أصدر السيسي قرارا آخر بتخصيص مساحة 17 ألف فدان تقريباً في المنطقة الشاطئية بجنوب الزعفرانة، وهي من المناطق التي تقوم فيها حالياً مشروعات تنمية سياحية، و46 ألف فدان تقريباً في المنطقة الشاطئية بـ"خليج جمشة"، ستكون مجاورة لمساحاتٍ أخرى خصصتها هيئة التنمية السياحية لمجموعة من المستثمرين بغرض الاستغلال السياحي، ومنطقة رأس بناس كاملةً بمساحة 139 ألف فدان تقريباً، لصالح وزارة الدفاع، على أن تعتبر "مناطق استراتيجية ذات أهمية عسكرية لا يجوز تملكها". وجميع هذه المناطق تقع على الساحل الشرقي لمصر ومُطلّة على البحر الأحمر، علماً أن منطقة رأس بناس تضم حالياً مطاراً تشغله القوات المصرية الجوية، كان قد أنشأه الاتحاد السوفييتي كقاعدة عسكرية له في المنطقة عام 1964. ومنذ تسعينيات القرن الماضي، ظلّت الحكومة تفكر في استغلال المنطقة سياحياً وإنشاء "مارينا" لليخوت فيها، لكن عروض المستثمرين المتعلقة بها واجهت عراقيل، مثل عزلة المنطقة وعدم إقامة شبكة طرق جيدة فيها، وهو على ما يبدو الهدف الأساسي لعملية التخصيص الأخيرة، إذا ما وضعت في السياق الاقتصادي الحالي، وسعي السيسي لاستغلال جميع المناطق الساحلية في إنشاء منتجعات سياحية بأسرع وقت ممكن، وإسناد مهمة إنشاء الطرق المؤدية للعديد منها إلى الجيش منفرداً.
ولا ينفصل القراران الأخيران، على مستوى الأغراض ومساحة الأراضي، عن مسلسلٍ طويل من قرارات التخصيص للجيش نقلاً من الملكية العامة أو الخاصة للدولة وهيئات أخرى تابعة لها، تعيش مصر حالياً عامه السادس.
وبمراجعة القرارات لاستيضاح المناطق الأكثر استهدافاً للتخصيص، يتبين التركيز على الأماكن التي يمكنها احتضان استثمارات ناجحة في المجال السياحي، تحديداً عبر إقامة منتجعات وفنادق، مثل رأس سدر والساحل الشمالي وجنوب سيناء وساحل البحر الأحمر والعين السخنة، علماً أن الجيش افتتح خلال هذا الصيف منتجعا سياحيا جديدا في منطقة مميزة بين برج العرب و"مارينا" تحت مسمى "توليب"، امتداداً لسلسلة الفنادق التي أنشأها في القاهرة والإسكندرية.
أما في المرتبة الثانية، فتأتي المناطق التي يجري استثمارها لأغراض الإنتاج الزراعي والحيواني والسمكي، فيما تحلّ في المرتبة الثالثة تلك المخصصة لمشروعات الطاقة، وهنا تجدر الإشارة إلى أن معظم محطات الوقود التي يفتتحها جهاز الخدمة الوطنية لا تتطلب إقامتها تخصيصاً جديداً، لأنها تقع في حيّز أراضٍ سبق تخصيصها على جوانب الطرق.
ولا تمارس أي سلطة الرقابة الإدارية أو المالية على تصرفات الجيش وأجهزته، رغم دخوله - نظرياً - ضمن الجهات الخاضعة لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات.
أضف تعليقك