بقلم: وائل قنديل
ما المشكلة في أن تسمّي حركة النهضة مرشحًا منها لانتخابات الرئاسية التونسية، وينجح أو يسقط، أو حتى يناور بالتنسيق مع مرشح آخر؟.
تتوقف إجابتك على السؤال على إجابتك أسئلة سابقة عليه: هل حقًا تؤمن بالديمقراطية نظامًا محترمًا للعب السياسي النظيف؟ وهل ترى أن الشعب التونسي جدير بهذه الديمقراطية وبمكتسباتها، ومؤهل لصيانتها وحمايتها من أي تلاعب أو عبث في مكونات النظام السياسي التونسي؟ وهل تقرّ بأن تونس قطعت شوطًا أبعد من الجميع، سعيًا إلى تحقيق عملية سياسية تشمل الجميع وتحترم إرادة المواطن/ الناخب، ولا تتحايل عليها أو تهدرها؟.
في تجربة انتخابات 2014، نجحت تونس في امتحان العبور الديمقراطي، في ظل رياح إقليمية ودولية عاتية، محمّلة بجراثيم عربدة المحور المعادي لثورات الربيع العربي، وقدّمت نموذجًا جيدًا لتأسيس نظامها السياسي عبر آلية الديمقراطية التوافقية، بإقدام مختلف الأطياف على تنازلات جزئية، وضعت المصلحة القومية فوق المكاسب الحزبية والشخصية، لتكون المحصلة رئيسًا وبرلمانًا منتخبيْن بنزاهة، وانطلاقًا على طريق بناء تجربة سياسية، قادرة على التطور والنمو.
الآن، وبعد خمس سنوات من الديمقراطية التوافقية، أزعم أن تونس، شعبًا ونظامًا، باتت تمتلك القدرة على الانتقال إلى مرحلة الديمقراطية التنافسية، وهي واثقةٌ في أن ثمّة بناءً سياسيًا استقر، ويستطيع تحمل أعمال الترقية والتوسعة، من دون أن يهتز أو يتصدع.
والشواهد على ذلك كثيرة، لكن أبرزها وأهمها هي عملية النقل السلس للسلطة، عقب رحيل الرئيس الباجي قايد السبسي، والذهاب الإجباري إلى انتخاباتٍ مبكرة، على مستوى الرئاسة، في ظل يقظة شعبية تراقب وتصون وتقف بالمرصاد ضد أي نكوص أو انتكاسة عما تحقق.
في هذا المناخ السياسي، النظيف، ليس ثمّة ما يمنع أي حزب أو تيار سياسي من خوض معترك الديمقراطية في طوْرها التنافسي الجديد، ما دام ذلك لا يخرق ضوابط الدستور والقانون المحدّدة للترشح والطموح في الفوز، انطلاقًا من أن لدى الجماهير القدرة على الفرز والاختيار، ثم الدفاع عن اختياراتها الآتية عبر إرادتها الحرّة، حتى لو كان الزحام شديدًا، إنْ على صعيد الأسماء المرشحة لرئاسة الجمهورية، أو على مستوى قوائم الترشح لمجلس نواب الشعب، حزبيةً كانت، أم ائتلافية، أو مستقلة.
هنا، ليس من حق أحد المصادرة، أو الوصاية، على أحد، حزبًا كان أم شخصًا، يرى في ذاته جدارة للمنافسة والطموح في الفوز، ما دام الدستور والقانون لا يمنعان، حتى لو كان المرشح وزير دفاع مستقيلًا للتو سعيًا إلى المقعد الرئاسي، أو قادمًا من "النهضة" التي تحرّرت من أنها حركة إسلام سياسي، وباتت تسمّي نفسها حزبًا سياسيًا، كما جرى خلال مؤتمرها العاشر في مايو/ أيار 2016..أو وجهًا ثوريًا ومناضلًا ديمقراطيًا عتيدًا مثل المنصف المرزوقي، الذي نافس وخسر بشرف في معركة انتخابات 2014.
والحال كذلك، ثمّة فارق بين أن تعبر عن أمنياتك الشخصية، مراقبًا ومتفاعلًا من خارج تونس، بوصفك مواطنًا عربيًا منحازًا لسيرورة الربيع العربي، وأن تمارس وصاية، ليس هناك ما يسندها، على قرارات الأحزاب والقوى السياسية التونسية، في اتخاذ قرار المنافسة من عدمه، أو تسمية مرشّح عنها للسباق، وخصوصًا عندما تأتي هذه الوصاية، أو الحكمة الجوفاء، من قبل مجموعات أو شخصيات رسبت بمنتهى الجدارة والاستحقاق في اختبارات ديمقراطية بسيطة وبدائية، وكل رصيدها في هذا المجال أنها كانت حزمًا من الحطب وأعواد ثقاب احترقت وتفحمت بعد استخدامها بمعرفة الذين قضوا على أحلام الديمقراطي في بلادها.
في المحصلة، يبقى الناخب التونسي وحده صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في تقرير مستقبل الحكم في بلاده، ذلك أن ماكينة سياسية دشنت هناك، وتستطيع أن تصل بكل صاحب طموح إلى سدّة الحكم، أو تعيده إلى منزله وتلزمه إياه، فليس من عاش الديمقراطية وسهر على ازدهارها كمن أشعل النار فيها، عامدًا متعمدًا.
أخيرًا، اتركوا ما لتونس لتونس، وما للفشل للفشل، فمنتهى البجاحة أن يتوهم راسب ابتدائية سياسية أهليته لأن يعطي دروسًا لمن يستعد لامتحانٍ في الدراسات العليا!.
أضف تعليقك