بقلم سليم عزوز

عندما يكون رأس الدولة حاكم عسكري، فلن يكون غريباً أن تكون مهمة الإعلام هي نشر الخرافة، وتعظيم الجهل. والحال كذلك، فلا غرو أن يكون إعلامي مصر الأول من يؤكد في كل يوم على جهله النشط باعتبار هذا من مقتضيات الواجب الوظيفي.

ومن الواضح أن أحداً لم يلفت انتباهه لذلك، لذا فإنه في كل ليلة يكون أكثر تألقاً في مجال تخصصه عن الليلة السابقة لها!

فقد تجاوزنا مرحلة “الإخوان هم سبب سقوط الأندلس”، وأن محمد مرسي باع للرئيس الأمريكي باراك أوباما سيناء، وقبض الثمن “عداً ونقداً”، وهي المرحلة التي قيل فيها عبر الشاشة، ومن مذيع الأصل فيه أنه مسؤول، إن الفريق أول مهاب ماميش، قام باعتقال قائد الأسطول السادس الأمريكي، الذي رسا في المياه المصرية، محذراً الجيش المصري من الانقلاب على الرئيس محمد مرسي، وذلك من منطلق أن أوباما إخوان، وقد جاء ماميش وبقيادته للضفادع المصرية بقائد الأسطول من “قفاه”!

ورغم مرور أكثر من ست سنوات على هذه الواقعة، إلا أنه لم يصل لأسماعنا أنه تم إخلاء سبيل قائد الأسطول وأسطوله إلى الآن!

هل قيل هذا الكلام على الشاشة؟ نعم قيل، وقاله مذيع دون أن يهتز له رمش، ودون أن يتعرض للحساب، ليتبين بعد هذا أنه لم يكن هو المؤلف لهذه القصة، فقد كان الفريق مميش هو نفسه صاحبها.

وقد تحدث عنها بعد ذلك، على نحو كاشف بأنها ليست تصرف مذيع، ولكنها سياسة حكم.

لا تنس أن الفريق أول مهاب مميش هو من يضع فيه عبد الفتاح السيسي ثقته كاملة، فيستمر إلى الآن رئيساً لهيئة قناة السويس، ولسبع سنوات متصلة!

ما علينا، فقد تجاوزنا هذه المرحلة العميقة في نشر الجهل العميق، إلى مرحلة الجهل النشط، ورأينا كيف اندفع أحمد موسى، الإعلامي الأول للمرحلة، يفتي في الدين، فيقول جهلاً مفضوحاً، دون أن تتأذى لذلك المؤسسات الدينية، ومن أول مشيخة الأزهر، إلى دار الإفتاء، إلى الطرق الصوفية، إلى الهيئات السلفية، وفي القلب منها حزب النور، فكيف يجري التطاول على البديهيات الدينية، والشيخ ياسر برهاني بين ظهرانينا؟!

تمدد المذكور بالحرارة، فجو مصر لم يعد يعبر عنه النص القديم، الذي كان مطلوباً منا حفظه في المدارس: “حار جاف صيفاً دفىء ممطر شتاء”، بل صار حاراً مشبعاً بالرطوبة.
بعد التمدد انطلق يهاجم الشيخ راشد الغنوشي، لأنه لا يعرف كيف يصلي، ضمن “المقاولة” الخاصة بالهجوم على جماعة الإخوان المسلمين. ولغير المتابعين لتطور الأمراض النفسية، فالطلب النفسي اكتشف متلازمة جديدة هي “متلازمة الإخوان”، وإذا كان المرء يسخر من قبل من الذين يقولون إني إخوان، ثم سخرنا عندما يتهم ثلاثة من اليساريين بأنهم من الإخوان، فظني أنه لم يعد هناك مبرر للسخرية أو التعجب، وقد وصل الحال إلى حد اتهام نجل الرئيس السابق مبارك، بأنه من الإخوان، لأن محمد ناصر في “قناة مكملين”، ومعتز مطر في قناة “الشرق”، قد ناقشا تغريدة لـ”علاء مبارك”، مع أن “الشرق” مثلاً مالكها الليبرالي المعروف “أيمن نور”، ومع أن كلاً من “معتز مطر” و”محمد ناصر” لا ينتميان للإخوان، لكن ماذا نقول وقد صار العالم كله ينقسم إلى قسمين: السيسي ومشتملاته ومن بين هذه المشتملات “أحمد موسى”، والإخوان المسلمين؟!

وجدتها!

أكاد أتخيله وهو يهتف، عندما رأى فيديو خاصا بجنازة الرئيس التونسي الراحل “قايد السبسي”، وشاهد الشيخ راشد الغنوشي يرفع يديه عند التكبيرات، خلاف من حوله: وجدتها. فالغنوشي ليس مطلوباً لشخصه، فالمستهدف هم الإخوان، وإذا كانت حركة النهضة، كما حماس، قد فكت ارتباطها بما يسمى التنظيم الدولي للإخوان، فإن الإخوانية “وشم”، لا يمكن إزالته، فالدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، رئيس حزب مصر القوية، الذي غادر التنظيم ظل عند أهل الحكم من الإخوان، ولهذا يبالغ كثيرون ممن تركوا الجماعة في الهجوم عليها ليحصلوا على صك براءة من المجتمع، ومن السلطة بأنهم لم يعودوا من الإخوان دون جدوى. يوشك أحدهم أن يقول كلمة الكفر، ليتجاوز التنظيم، لكن لا حياة لمن تنادي، حتى صار بعضهم حالة نفسية تستحق الشفقة والرثاء!

في عهد الرئيس خالد الذكر، خرج بعض الإخوان من محنة سنة 1954، وقد فقدوا اتزانهم من هول ما تعرضوا له من تعذيب اجرامي، فبدلوا دينهم وصاروا مسيحيين، وغيروا وثائقهم لتدوين الديانة الجديدة. لكنهم وجدوا أنفسهم معتقلين مع الإخوان في محنة سنة 1965، لأن قرار الرئيس الخالد “أبا خالد” هو “إعادة اعتقال كل من سبق اعتقاله”!

لا بأس فحتى لو تزحلق الشيخ عبد الفتاح مورو على الجليد، وقال إنه سيلتقي عبد الفتاح السيسي، إذا زار تونس، لأنه – أي الشيخ عبد الفتاح – رجل دولة، فهو عند الحكم العسكري من الإخوان، فلن يقبل منه هذا التفريط.

نعم هو يفرط، لأنه مجرد وكيل لرئيس البرلمان، وفي اللقاءات الرسمية من هذا النوع، فإن رئيس البرلمان ينوب عنه، وليس دور قيادات البرلمان من دونه الحضور، وإلا صاروا جزءا من “تشريفة” حرس الشرف.
لقد هم بالمعصية فلم يفعلها، لأن السيسي تخوف من زيارة تونس، بعد تهديد الشباب التونسي بأنه سيخرج لاستقباله بما يليق بقائد انقلاب عسكري على الثورة المصرية، وتم حرمان عبد الفتاح مورو من لحظة يشعر فيها بأنه رجل دولة!

المهم، فقد صاح أحمد موسى صيحة عظيمة وهو يعلن أن راشد الغنوشي يجهل صلاة الجنازة، وأنه لا يعرف كيف يصلي، حيث لا يفرق بين صلاة الجنازة وصلاة العيد، فصلاة العيد هي التي تكون فيها “التكبيرات” في حين أن صلاة الجنازة بلا “تكبيرات” قبل أن يستدرك، أن التكبيرات في صلاة الجنازة هي للإمام فقط!
واللافت أنه عرض فيديو صلاة الجنازة، التي يشارك فيها الغنوشي، وهو يصيح في البرية أن الإخوان لا يجيدون الصلاة. فالتونسيون يصلون بشكل صحيح، لكن الغنوشي الإخواني لا يعرف كيف يصلي، مثله في هذا مثل كل الإخوان.. (هكذا). مع أن الشيخ عبد الفتاح مورو كان متفقاً معهم ومتسقاً مع التونسيين فلم يكن يرفع يديه، لكنه الغرض الذي هو مرض!

فقيه اللحظة

في الفيديو كان الإمام يكبر، فيكبر المصلون، فصلاة الجنازة إذن فيها “تكبيرات” ولا تختلف عن صلاة العيد، كما قال فقيه اللحظة أحمد موسى، ثم إنه بتكبيرهم خلف الإمام، ينفي ما قاله مستدركاً بأن “التكبيرات” خاصة بالإمام فقط، فها هم المصلون التونسيون يكبر جميعهم!

إذن فدوار البحر الذي أصابه، هو نتيجة ربطه بين التكبير ورفع اليدين، فما دام المصلون لم يرفعوا أيديهم، فالمعنى أنهم لم يكبروا هكذا اعتقد، لكن راشد الغنوشي كبر – على العكس منهم – لأنه كان يرفع يديه في كل مرة!

الجنين في بطن أمه يعرف أن صلاة الجنازة ليس فيها ركوع أو سجود، لكن فيها تكبيرات، واجماع الفقهاء الأربعة منعقد على أن التكبيرات الأربع من أركانها، فمن أين جاء مجدد شباب الأمة، بأن صلاة الجنازة بدون تكبيرات؟ ومن قال له إن التكبيرات خاصة بالإمام فقط وليس بالمأمومين؟!

وعندما ينكر أحمد موسى معلوماً بصلاة الجنازة بالضرورة، ولا ترى دولة العسكر في هذا بأساً، فألا يستوجب الأمر أن تتحرك المؤسسات الدينية لتواجه هذا العدوان على التعاليم الدينية؟ أم أن الحاكم العسكري جعل من المذكور محمية طبيعية، وإن تطاول على تعليم الدين وأركانه؟!

لقد اتضحت الرؤية، عندما شاهدت الشيخ الغنوشي وهو ينفرد برفع يديه عند كل تكبيرة، ومن هنا أعجب الفتى جهله، فظن أنه بذلك قد أخطأ، وعليه كانت هذه السهرة، التي انبرى فيها المذكور يعلمنا أمور ديننا!
إن أي أمي، يعرف أن التكبير في صلاة الجنازة وإن كان من أركانها فقد اختلف الفقهاء حول رفع اليدين عند التكبيرات الأخرى، دون تكبيرة الإحرام، فقال الشافعية والحنابلة برفع اليدين، وقال المالكية والحنفية بعدم رفعهما. والتونسيون مالكية، ويبدو من هذا الفيديو أن هناك التزاما بالمذهب المالكي، بدليل أننا لم نر من يخالف المذهب من بين المصلين وعلى “مدد الشوف” غير الغنوشي، والأمر ليس كذلك في مصر، وهو ما يمكن أن يلمسه أي مصل لصلاة الجنازة، من تنوع من يصلونها في المسجد الواحد بين رفع اليدين وعدم رفعها، وإذا كان المذكور لم ينتبه لهذا، ولم تسبق له صلاة الجنازة ولو على أقرب الناس له، ليشاهد هذا التنوع، فألا يوجد من بين طاقم الإعداد من ينتبه لهذا؟

وهل يوجد طاقم إعداد للبرنامج ومع هذا يجمعوا على قلب رجل واحد على أن فضيحة “البلاي ستيشن” كان هجوما من الجيش الروسي على قوات “داعش” في سوريا؟ حيث تغزل مذيعهم الهمام كثيرا في القوة الروسية سعيداً، ومنبهراً، ومبتهجاً، وكأنه من السلالة الروسية. ألا يوجد أحد منهم شاهد الفيديو يروج من قبل على مواقع التواصل الاجتماعي على أنه لعبة؟
أم أن الجهل هو عنوان المرحلة، وأن تسويقه هو من المهام الوظيفية لدولة العسكر، التي تعادي العلم، وتنشر الخراقة، وتضلل البشر، ليصبح منسوب الفهم عند الحد، الذي يظهر فيه الحاكم الضرورة على أنه فيلسوف عصره وأوانه، فيصبح التوجه العام هو ما عبر عنه خبير الخبراء، الذي يحمل رتبة الجنرال على قناة “العربية” مؤخراً، أن الصواريخ الروسية لتركيا “تقليد وليست أصلية”.
ويقول اللواء سمير فرج إن السلاح الكيماوي يصنع في البيوت. وعلى “صدى البلد” أيضاً يقول خبير عسكري جبار اسمه اللواء طلعت موسى إن الإخوان يسيطرون على مؤسسات صنع القرار في أمريكا.
ولعلنا بهذا يمكننا الوصول لسر عدم إقدام السلطة في مصر على الاستحواذ على قناة “صدى البلد” بالذات، ولماذا في مرحلة نسف السيسي لحمامه القديم والتخلص من أذرعه الإعلامية ومن ليليان داود إلى لميس الحديدي، يبقي على أحمد موسى!

إنها قناة تسير على خُطى المرحلة، كما يريد أصحاب المرحلة أنفسهم، ويعبر عنهم بجلاء أحمد موسى!