أكدت مصادر أمنية مطلعة، أن جهاز مخابرات الانقلاب، يحاول فرض السيطرة الكاملة على الأمن الوطني، وتوجيه دفته بما يخدم أغراض دائرة السيسي وحدها، وبطريقة جافة وبدون خلفيات معرفية كافية، على عكس أسلوب عمل الأمن الوطني"، موضحةً أنّ مدير الجهاز الجديد كان يلعب دور المنسّق بين عمل الطرفين طوال السنوات الأربع الماضية.
وأدى هذا الدور إلى اختيار عادل جعفر كـ"أفضل ضابط بجهاز الأمن الوطني" بعد شهرين فقط من تولي محمود توفيق إدارة الجهاز، إذ تمّ تكريمه من السيسي بـ"نوط التميز" في حفل عيد الشرطة في يناير 2018، والذي كان مناسبة مهمة في وقته لتأكيد اعتماد السيسي على الشرطة والأمن الوطني بصفة خاصة، في ظلّ حالة من التوتر تفاقمت في العلاقة الندية أساساً بين الشرطة والجيش، خصوصاً بعد عزل السيسي لصهره محمود حجازي من رئاسة أركان الجيش بسبب سوء التنسيق مع الشرطة والتراخي في إنقاذهم في مواجهة العناصر المسلحة في حادث الواحات.
كما تمّ الاعتماد على جعفر، بحسب المصادر، كممثل وحيد للجهاز في المحادثات الممتدة بين النيابة العامة والمدعي العام الإيطالي في قضية مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، الأمر الذي أكسبه صلات واسعة بالأجهزة السيادية والقضائية الأخرى.
وذكرت المصادر الأمنية أنّ مدير الأمن الوطني الجديد يمكن اعتباره نموذجاً لـ"نخبة جديدة" تمّ تصعيدها بمباركة المخابرات ورئاسة الانقلاب، لتولي الملفات المهمة في الجهاز لمصلحة السيسي ووفقاً لرؤية دائرته، بعد سنوات من المعاناة مع دوائر ومجموعات لم تكن تعمل إلا لمصالحها الخاصة، أو لمصلحة مجموعة من رموز نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، شأنهم في ذلك شأن ضباط المخابرات المنتمين لعهد مدير الجهاز ونائب مبارك الراحل عمر سليمان.
ومن علامات بناء الجسور بين هذه النخبة الجديدة بالأمن الوطني وجهاز المخابرات، ومجموعة المنتفعين الذين يحاولون الاستفادة من أذرع النظام المختلفة ليشكلوا سوياً ما يمكن وصفه بـ"طائفة حاكمة"، أنّ مدير الأمن الوطني الجديد له شقيق هو أحمد جعفر، يتولّى حالياً منصب نائب رئيس حزب "مستقبل وطن" في محافظة كفر الشيخ، وهو حالياً من المرشحين بقوة لمجلس النواب أو مجلس الشيوخ المقبلين، وفق المصادر.
وأشارت المصادر إلى أنّ صعود جعفر لإدارة الأمن الوطني، مع تمتعه بحظوظ وفيرة لتولي مناصب أخرى لاحقاً، ليس منفصلاً عن سياق تصعيد عدد كبير من ضباط هذا الجهاز "المتوافقين مع سياسة دائرة السيسي المخابراتية الرقابية" لمناصب عليا في مديريات الأمن بالمحافظات، لافتة إلى أنّ معظم حكمدارية المديريات الجدد ونواب مديري الأمن، سبق لهم الخدمة في الأمن الوطني وتحت رئاسة الوزير الحالي محمود توفيق.
ورأت المصادر أنّ هذا يأتي في إطار التوسيع غير المسبوق في سلطات وصلاحيات جهاز الأمن الوطني، تحت إشراف المخابرات أيضاً، بهدف محاولة الاستفادة من إمكانات وخبرات الجهاز في ملء الفجوات التي لم تتمكن المخابرات العامة والرقابة الإدارية أو الجيش من التعامل معها، بسبب عدم تداخلها مع العديد من الملفات المحلية، كالتعامل مع شباب التنظيمات الإسلامية داخل السجون، ووضع مشروع مبادرة وثيقة الاعتراف بشرعية النظام الحالي مقابل تحسين أوضاعهم في السجون، وزيادة فرص استفادتهم من قرارات العفو الرئاسي، وكذلك الفحص الأمني للمرشحين للعفو، فضلاً عن الرقابة على الضباط والأفراد وإطاحة المعارضين منهم.
وأشرف الأمن الوطني أخيراً على إخراج العديد من القضايا المصطنعة الهادفة للتنكيل بمعارضي النظام الحاكم، أشهرها وأكثرها فجاجة قضية "الأمل" القائمة على ربط غير منطقي وغير مدعوم بالأدلة بين مجموعة من النشطاء السياسيين المعارضين وغير الإسلاميين وبين جماعة "الإخوان" وقضايا تمويلها القائمة بالفعل.
كما أشرف الأمن الوطني، بحسب المصادر، على عملية الاستعلام الأمني، وجمع التحريات عن جميع المرشحين لرئاسة الهيئات القضائية، والتي ترتب عليها إصرار السيسي على تجاهل الأقدمية وتجاوز المستحقين لها في رئاسة المحكمة الدستورية العليا ومحكمة النقض وهيئة قضايا الدولة.
يذكر جهاز الأمن الوطني، تعرض في أكتوبر 2017، لهزة كبيرة جراء الفشل في التعامل المعلوماتي والميداني مع الاعتداء الذي نفذته مجموعة تابعة لضابط الجيش السابق هشام عشماوي، والذي استهدف فريقا عالي المستوى من جهازي الأمن الوطني والأمن العام وقوات التدخل السريع بالقرب من منطقة الواحات البحرية، جنوب غرب الجيزة.
وترتب على ذلك وقتها، إقالة مدير جهاز الأمن الوطني (أمن الدولة) آنذاك محمود شعراوي (وزير التنمية المحلية الآن)، ومدير الجهاز بالجيزة إبراهيم المصري، فيما جرت عملية واسعة لإعادة الهيكلة وتوزيع الملفات تحت إشراف مباشر من مستشار السيسي للأمن، اللواء أحمد جمال الدين.
واعتمد جمال الدين في تنفيذ مهمة إعادة الهيكلة على 3 ضباط أساسيين؛ أولهم هو وزير الداخلية الحالي بحكومة الانقلاب محمود توفيق، الذي كان قد اختير مديراً للجهاز خلفاً لشعراوي، وثانيهم هو عماد صيام الذي خلف توفيق في إدارة الجهاز عقب اختيار الأخير وزيرا في يونيو 2018، وهو زميل دراسته ودفعته. أمّا الثالث، فظلّ مجهول الهوية تقريباً لفترة، وهو عادل السيد عبد العزيز جعفر، والذي خرج للنور نسبيا، أخيرا، عندما تمّ تعيينه مديرا جديدا لجهاز الأمن الوطني، بينما نقل صيام كمساعد لوزير الداخلية لشئون الأمن، وهو منصب مكتبي وشرفي أكثر من كونه ذا أهمية عملية.
وقضى مدير الأمن الوطني الجديد حياته العملية متنقلاً بين إدارات الجهاز المختلفة في صمت، وبعيداً عن الضوء، حتى توليه في عام 2016 رئاسة وعضوية أكثر من لجنة على مستوى رفيع للتنسيق بين الجهاز من جهة، والمخابرات العامة والرقابة الإدارية من جهة أخرى، وهما الجهازان اللذان أصبحا الرقم الأهم في نظام حكم المنقلب عبد الفتاح السيسي.
أضف تعليقك