بقلم : سَليم عزوز
البُعد الإقليميّ والدوليّ في محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا قبل ثلاث سنوات ليست واضحةً تماماً.
في هذه الليلة أشار أردوغان إلى تورّط الولايات المتحدة الأمريكيّة في محاولة الانقلاب، وهناك إشارات عن تورّط قوى إقليميّة أخرى، بدا واضحاً من خلال احتشاد قناتي «العربية» و»سكاي نيوز عربية»، ووقوفهما بجانب وكالة رويترز على خط النار، لكن يبدو الآن أن النظام التركي ليس راغباً في توسيع دائرة الاشتباه.
وبعيداً عن هذا فقد كان الغرب يكتم أنفاسه في هذه الليلة انتظاراً لنجاح الانقلاب فيعلن انحيازه له، لا تحدّثني عن قيم الديمقراطية وانتهاكها، فالغرب أيد الانقلاب العسكري على الحكم المُنتخب في مصر، لمجرد تأييد إسرائيل له، والتعامل مع القادة الغربيين على أنهم سماسرة في الصفقات التجاريّة ينتظرون العمولات ونسبتها من هذه الصفقات، ومن فرنسا إلى ألمانيا فتّش عن السمسار!
في هذه الليلة، تسرّع البيت الأبيض وأعلن عن أنه ينظر للأمور عن كثب، أي أنه يقف على الحياد، بين السلطة المُنتخبة وبين الانقلاب العسكري عليها، وبعد أن تأكّد نجاح الشعب في إحباط المحاولة، أعلن أوباما انحيازه للحكومة المُنتخبة، ميركل صمتت حتى تكشفت الأمور، ولم تنطق قبلها، وأعلنت لحظة النصر أن الحكومة في تركيا شريكة لها وللأوروبيين، وأنهم ينحازون للحكومة المُنتخبة. وكأنها اكتشفت الآن أن الحكومة التركية منتخبة، وهو اكتشاف لم تتوصّل إليه قبل أن تتكشف الأمور!
حلف الناتو أيضاً صمت إلى أن تبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود، بعدها تذكر أن الحكومة المُنتخبة عضو في الحلف، ومن ثم أعلن انحيازه لها ورفضه الانقلاب عليها.
الإعلام المصري أعلن في هذه الليلة أن عبد الفتاح السيسي يُعرقل قراراً من مجلس الأمن بإدانة الانقلاب، ولا نعرف إلى الآن ما مدى صحة ذلك، لكن مجلس الأمن لم يدن الانقلاب، عندما كان من المقدّر نجاحه!
المعنى أن الغرب ليس منحازاً للديمقراطية خارج حدوده، وهو الراعي الرسمي للاستبداد في المنطقة، لكن لا أعرف من أين جاء الاعتقاد بغير ذلك، رغم أن فرنسا حاضرة بجنودها وعدادها في الجزائر وليبيا تقاتل مع الاستبداد وتنحاز لجنرال متقاعد يخطط ويُخطط له للانقلاب على الحكومة الشرعيّة وهو الحاصل في ليبيا.
ولم يكن لقائد ميليشيات الجنجاويد أن يتمدّد في السودان إلا بعد حصوله على «الموافقة الغربيّة» وقد شاهدناه في الأيام الأولى لإسقاط البشير يلتقي بدبلوماسيين غربيين في مقر سفاراتهم، في إشارة لا تخطئ العين دلالتها.
في مصر يحضر البيت الأبيض منحازاً للسيسي، ولولا انحيازه لما انطلق بهذه القوة يعدّل الدستور ليبقى في الحكم، غير عابئٍ بالرفض الداخلي له.
المشهد التركي كان الأكثر وضوحاً على النفاق الغربي، فلا يستطيع أحد القول إن الجيش خرج بطلب من الشعب، كما في مصر، لقد قاد ضباط تمرداً على قيادة مُنتخبة، وإذا استبعدنا التورّط الأمريكي في هذه المحاولة، فقد كان ينبغي أن يرفض الغرب هذا الانقلاب العسكري بدون انتظار لشيء، وقد سقطت أوراق التوت التي تستر العورات!
الآن صار اللعب على المكشوف، فالولايات المتحدة الأمريكية تتدخل بانقلابين فاشلين في فنزويلا بعد أن فشلت في تنصيب زعيم المعارضة رئيساً بالقوة الجبريّة، فالأداء صار أكثر وضوحاً مع ترامب، وإن كنت لا أعتقد أن السياسات في حد ذاتها قد تغيّرت، فالاختلاف بين ترامب وأوباما هو في الدرجة وليس في النوع. والأخير انتظر وبدا الظاهر أنه على الحياد، والأول لو كان حاضراً لأيد الانقلاب من أول لحظة، وهذا الاختلاف لا يعني أن أحداً منهما ينحاز للديمقراطية!
لا بأس، ففي الليلة التركيّة المُباركة تأكّد للجميع أن الشعوب أقوى من البيت الأبيض، ومن الاتحاد الأوروبي، ومن حلف الناتو، فعندما انتصرت إرادة الشعب التركي، جاء كل هؤلاء مُحلقين ومُقصرين، وقد تذكروا وقتها فقط أن الحكومة التركية مُنتخبة!
لم تنشغل القيادة التركيّة، ولم ينشغل الشعب بالموقف الغربي من الأمور، فكان الشعار «بيدي لا بيد عمرو». وفي مصر لم يقصّر الشعب، فقد خرج للشوارع بالملايين انتصاراً لإرادته، لكنه كان فرق الخبرة، وفرق الإرادة لصالح القائد التركي. في مصر تمّ توظيف الحراك لمهمة الضغط، وفي تركيا خرجت الجماهير للحسم. في مصر كنا ننتظر أن يتحرّك الغرب بقوة الطوفان البشري، فينتصر لقيمه، تحت شعار مخدّر بأن زمن الانقلابات قد ولى؟ فمن قال إن زمن الانقلابات قد ولى؟!.. وفي تركيا كان القرار أنه لا بد لزمن الانقلابات العسكريّة أن يولي، فقد أراد الشعب الحياة.
في مصر كانت لنا تجربة مشابهة، فلما طال علينا الأمد نسيناها، ففي اليوم الأول للثورة أعلنت الإدارة الأمريكية وقوفها مع مبارك، لكن الشعب لم يأبه بهذا الإعلان وأسقط مبارك، فخطب أوباما مُحيياً الشباب المصري، الذي صار قدوة ومُلهماً لشباب العالم.
نعم، نحن نستطيع.
أضف تعليقك