بقلم: وائل قنديل
لم تنهزم مصر أمام جنوب إفريقيا، في البطولة الإفريقية المقامة على الملاعب المصرية، بل هزمها سياق عام من القبح والرداءة والقهر والقمع وانعدام الكفاءة، وغياب العدالة والمشروعية، بشقيها القانوني والأخلاقي.
فاز المنتخب الجنوب إفريقي، فريق مانديلا، بقيمه الإنسانية والاجتماعية والوطنية الحقيقية والرياضية، على منتخب عبد الفتاح السيسي، المدجج بمعكوس كل ما سبق، فكانت لحظة نادرة من لحظات المنطق والعدل في ملعب الكرة.
النتيجة الحقيقية هي هزيمة منظومة الدجل والشعوذة والنصب على الجماهير بالتعويذة البائسة "تحيا مصر"، وأوهام "قد الدنيا" ومنطق المكسب الحرام، والفوز غير الأخلاقي وغير القانوني، وهو المنطق السائد منذ قرّر السيسي الانقضاض على السلطة وانتزاعها، بالقتل والتخريب والإلغاء الكامل للسياسة وللعدالة وللحرية، وسط تصفيقٍ حاد من جمهورٍ تم إعطاب ضميره وذائقته، فوصل به الحال إلى القول: انقلاب لكننا معه.. مذبحة ضد الإنسانية في "رابعة العدوية"، لكنها مبرّرة لكي نبني مصر.. جنرال دموي قاتل لكنه "قائدٌ ضرورة"، حتى يعود الأمن والاستقرار.. نظام يبيع الوطن ويفترس المواطن الفقير، ويؤسس فاشية عسكرية مرعبة، لكن لا يهم، يكفي أنه أنقذ مدنية الدولة وحافظ على الهوية.
هذه النوعية من المصريين التي صفقت لعبد الفتاح السيسي، وهتفت وراءه "تحيا مصر"، وهي ترى بعينيها وتلمس بيديها كذب وعوده وأرقامه عن الرخاء والانتعاش والتعافي، وتتغاضى عن جرائمه ضد الإنسانية والوطنية، بحجة أنه سيصنع وطنًا قويًا قادرًا على الفوز، هي ذاتها التي صفقت وهتفت للاعب ليس فوق مستوى الشبهات، تحيطُه اتهاماتٌ قانونيةٌ وأخلاقيةٌ، بحجة أنه "اللاعب الضرورة" لتحقيق الفوز في المباريات.
لست هنا بصدد إدانة هذا اللاعب، أو تبرئته، فربما كانت قصته، من أولها إلى آخرها، جزءا من تكريس منطق الابتذال والانتصار لمبدأ "المهم الربح ولو بأقبح الطرق"، أو التصنيع الاستباقي لكبش فداء، يتحمّل وحده، هزيمة كاملة، تتدلى أسبابها من قمة النظام السياسي، حتى سفح المنظومة الرياضية.
وتلك هي الخسارة الأفدح، والمستمرة مع مصر منذ ست سنوات، هي عمر سلطة الانقلاب العسكري: التكسّب بأية وسيلة، والتربّح بصرف النظر عن معايير الحق والباطل، العدل والظلم، وهذا ما جعل كوارث بعرض المحيطات وارتفاع الجبال تمر من دون أدنى اعتراض، كأن تباع جزيرتا تيران وصنافير للسعودية، فتجد من يردّد: عين العقل، السيسي فاهم مصلحة البلد جيدًا، أو تمتد أنابيب الغاز الصهيوني في عمق الأرض المصرية، فيقال منتهى الحكمة والدهاء، أو تدمر سيناء وتسيل دماء المواطنين والجنود فوق رمالها، فتشتعل منابر الكذب بأناشيد الوطنية الملوثة، أو يصفى الرئيس الشرعي في محبسه، فترقُص الجماهير المختارة بعناية شديدة، على إيقاع كلماتٍ ركيكةٍ من جنرال أكثر ركاكةً في حفله الصاخب، مفتتحًا البطولة الأفريقية، في اللحظة التي يتجاوز فيها عدد المسجونين والمحبوسين ظلمًا عدد جماهير ملعب الافتتاح.
التي انهزمت ليست مصر الحقيقية، فلا هذا المنتخب تم انتخابه انتخابًا سليمًا ونزيهًا، ولا جمهور المنتخب، كذلك، يمكن أن تصفه بأنه جمهور كرة القدم الحقيقي في مصر.. ولا الشخص الذي يتاجر بالمنتخب والجمهور، وصل إلى السلطة بطريقةٍ عادلة أو محترمة.
وكما قلت، مرارًا، نحن بصدد نسخةٍ رخيصةٍ ومزيفةٍ من مصر الحقيقية، على المستويات كافة، من السلطة إلى المعارضة، من النخب إلى الجماهير، إذ بلغ التشوّه حداً مخيفاً، مع هذا التآكل السريع في غلافها القيمي.
أضف تعليقك