بقلم: نزار قنديل
بمنطقٍ أقرب إلى قائد الانقلاب العسكري الدموي في مصر، عبدالفتاح السيسي، كتب المعارض السوري، ميشيل كيلو، عن الرئيس الشهيد محمد مرسي، مقاله "فرصة جديدة"، في "العربي الجديد" (22/6/2019)، مفتقداً أصولاً علمية في البحث السياسي، أعلم يقيناً أنه يعلمها، وربما ليس في حاجةٍ لمن يذكّره بها، وأكثر هذا الافتقاد فداحة أن يأتي بالنتائج قبل المقدمات، وأخطر منها أنه حين يورد مقدماتٍ تالية للنتائج العجيبة التي يتوصل إليها، يبتعد كثيراً عن منهج الباحث الرصين، فيستعين بعباراتٍ وأحكامٍ لن تجدها إلا في كلمات السيسي وإعلامه.
يعترف السيسي أن مرسي وصل إلى الحكم بالانتخابات وسُلَم الديمقراطية؛ ثم أخذ معه "السلم"، وهو كلام بالغ الركاكة، مفتقداً أي منطق سليم، ثم يصدمك كاتب بشهرة ميشيل كيلو، بالمنطق نفسه، وإنْ بعباراتٍ أكثر تماسكاً وأقرب إلى البناء اللغوي السليم "قوّض مرسي كل ما كان يقال عن ديمقراطية الإخوان"، وخروجهم من ثوب حزبيتهم الضيق، وتكيّفهم مع ما عرفته المجتمعات العربية من تطور سياسي واجتماعي واقتصادي، وعلى صعيد العلم والوعي"!
لا يقدّم السيسي وكيلو دليلاً واحداً واقعياً، ولا نظرياً، ناهيك عن أن يكون علمياً، على كلامهما. فقط هما أرادا أن يقرّرا ذلك، بقوة السلاح وقهر الدبابة؛ أو بقمع فكري يصادر حقوق الشعوب في أن تختار من تشاء لحكمها، وفق منطق الاستعلاء على البسطاء، فهؤلاء ليس من حقهم الاختيار، لأنهم ليسوا مثقفين، ولا علمانيين مثل الأستاذ كيلو!
يزوّر السيسي الانقلاب العسكري الدموي، فيسميه كذباً وبهتاناً "ثورة"، ثم لا يجد الأستاذ ميشيل كيلو حرجاً في أن يقول بعباراتٍ أكثر نعومة "انصرف الشعب المصري عن مرسي الذي نال الرئاسة بأصوات شباب ثورة يناير غير الإخوانيين، والذين رفضوا فوز من خالوه مرشح نظام حسني مبارك، الفريق أحمد شفيق، الذي كان سيصل إلى الرئاسة من دون أصوات ثوار يناير غير الإخوانيين!"؛ وكأننا أمام نسخةٍ محدثةٍ من مُخرج مظاهرات الانقلاب، خالد يوسف، الذي نقل الآلاف إلى خانة الملايين، في مظاهرات يونيو/ حزيران 2013، بخداع ومكر فني واضحين. ويُحمد للأستاذ ميشيل هنا أنه عاد، في عبارة تالية، ليصف ما حدث انقلابا، وإنْ وصف حكم الرئيس المنتخب محمد مرسي، بأنه تحوّل أيضاً إلى انقلاب، أما كيف حدث ذلك، فالعلم عنده وحده!
يقول السيسي إن "الإخوان المسلمين"، من دون أن يسميهم، "ركبوا ثورة 25 يناير"، فيكرر الأستاذ ميشيل "أولا: حوّل ثورة ذات طابع شعبي غالب إلى ثورة إخوانية، لم يلتحق "الإخوان" بها إلا بعد أسبوع من انفجارها بمبادرة من عناصر مدنية تنتمي إلى الأجيال الشبابية"؛ متغافلاً، متعمداً أو جاهلاً، أن الرئيس الشرعي الوحيد، محمد مرسي، هو أحد مؤسسي الجبهة الوطنية للتغيير، ومتناسياً أن هناك نعمة "اليوتيوب"، تكشف صوتاً وصورة، وجود قيادات من هذا التيار بحجم ومكانة الدكتور محمد البلتاجي، وغيره، يوم 25 يناير/ كانون الثاني 2011، في صدارة مشهد الاحتجاجات الممهدة للثورة، أمام دار القضاء العالي، في وسط القاهرة.
يتحدّث توفيق عكاشة وأحمد موسى وعمرو أديب، بلسان عبد الفتاح السيسي، غير المبين، عن فرية "أخونة الدولة"، ثم يخرجون ألسنتهم للجميع، فيما بعد، ويعترفون بأنهم قالوا ذلك تحريضا ليس إلا، ليأتي الأستاذ ميشيل مردّداً كلامهم الذي حاولوا به الضحك على العوام من الناس، قائلاً: "حوّل ثورة ضد النظام إلى انقلاب على الدولة المصرية التي توهّم أن في وسعه أسلمتها، فانفضّ من حوله مقرّبون كثيرون منه، ومستشاروه غير الإخوانيين".
التشابه، حد التطابق، بين أكاذيب السيسي وكلام كيلو، مفجع وصادم، في الرسالة والمضمون، وبدون تفتيش في النيات، فقد تكون تجربة المعارض السوري المعروف مع أطياف سياسية سورية معينة قد ألقت بظلالها على هذا الكلام والخلط العجيبين، عليه، وهو الكاتب الشهير. ولكن ذلك، في تقديري، لا يشفع له هذا التجنّي على رجلٍ دفع حياته ثمناً لما آمن به من حق الشعوب العربية في اختيار من يحكمها، وفق أسسٍ ديمقراطية، يقول الكاتب إنه يؤمن بها ويراها حلاً لمعضلات سياسية عربية كبرى.
وإذا كان من حق الأستاذ ميشيل كيلو أن يطلب من الشهداء، والجرحى، والمعتقلين، والمشرّدين، هم كذلك فقط لأنهم صدّقوا حقائق الديمقراطية، مراجعة النفس، واعتبار قتل الرئيس المنتخب ديمقراطياً بالإهمال الطبي، فرصة جديدة، فمن حقي عليه أيضا، أن أعتبر ما حدث فرصة جديدة له، لمراجعةٍ مع النفس قد تنتج فكرة مبتكرة، وخطاً جديداً يليق به، وبجهده كاتبا ومثقفا، ونضاله السياسي المشهور، تبتعد عن الإقصاء، والاستئصال لجماعاتٍ سياسيةٍ يدرك، قبل غيره، أهميتها، ووجودها المتحقق في المجتمعات العربية، وبأنه لن يستقيم ولن يحدث تغيير حقيقي لهذه المجتمعات بالثورة، أو بغيرها من وسائل النضال السياسي، بدون أن تكون هذه الجماعات في القلب منها.
مع التسليم والتأكيد على أن مراجعةً مع النفس من الجميع هي ضمن المعلوم من السياسة بالضرورة، لكل الفصائل، والجماعات، والتوجهات. أما الحديث عن مناسبة توقيت ما كتبه المعارض السوري الشهير، في مقاله، فهي مسألة تعود إلى كل إنسان، وطريقة تعامله مع مصيبة اسمها الموت، فما الحال لو كان الموت قتلاً؟
أضف تعليقك