تحل الذكرى السادسة لتظاهرات الثلاثين من يونيو 2013 التي مهدت لانقلاب الثالث من يوليو على أول رئيس مدني انتخبه المصريون في انتخابات حرة ونزيهة، وسط تحوّلات كبيرة تشهدها الحياة السياسية في مصر، والتي باتت في حالة موت سريري، بعدما دأب قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، على التخلص من كل من شاركه خطوات الانقلاب للانفراد بالحكم وحده من دون شريك يستشعر أنه صاحب فضل عليه.
وعلى مدار السنوات الست الماضية، دأب السيسي، على التخلص من شركائه من العسكريين والقوى السياسية التي كانت تعارض الرئيس المنتخب محمد مرسي، وقتها، والتي تجمعت فيما سمي بـ"جبهة الإنقاذ"، بطرق مختلفة، فتارة بالتشويه وتلويث السمعة وتارة أخرى بالسجن والتنكيل.
وكان آخر من طاولهم عقاب السيسي من الداعين لتظاهرات يونيو، أعضاء المجموعة التي أطلق عليها إعلامياً "تحالف الأمل"، والتي أعلنت أجهزة السيسي، قبل أيام قليلة من حلول الذكرى السادسة للثلاثين من يونيو، القبض عليهم، والزج بهم في السجون، مصحوبين بمجموعة من الاتهامات المعلبة، وفي مقدمة هؤلاء زياد العليمي، أحد أعضاء ائتلاف شباب ثورة 25 يناير 2011.
وقبل تلك المجموعة، دفعت أجهزة السيسي بمجموعة أخرى من أبرز الوجوه الداعية إلى تظاهرات الثلاثين من يونيو إلى السجون لنحو 9 أشهر في ظروف قاسية، قبل أن يتم صدور قرار بإخلاء سبيلهم، مصحوب بتدابير احترازية، ليظلوا في منازلهم رهن الإقامة الجبرية.
وكان في مقدمة هؤلاء مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير معصوم مرزوق. ففي 23 أغسطس 2018 ألقت أجهزة الانقلاب القبض على الدبلوماسي السابق معصوم مرزوق و6 آخرين، تقدمهم الدكتور يحيى القزاز.
ولم يكتفِ السيسي بمنع رأس حربة تظاهرات 30 يونيو، وهو الفريق أحمد شفيق، رئيس الوزراء الأسبق والمرشح الرئاسي الخاسر في 2012، من العودة للبلاد لنحو 5 سنوات، عاشها هارباً في الإمارات، للتخطيط والمساعدة في التحركات الداعمة للانقلاب على ثورة 25 يناير، بل إن السيسي أمعن في إذلال قائد سلاح الجو السابق، بعدما أعلن نيته العودة لمصر، وخوض انتخابات رئاسة الانقلاب في 2018. فما إن أصدر بيانًا يكشف فيه نيّته خوض الانتخابات الرئاسية، حتى خاطب السيسي حلفاءه في أبو ظبي، حيث تم احتجازه، قبل أن يتم نقله "شبه سجين" إلى مصر على طائرة خاصة، ليختفي بعدها عدة أيام، ويخرج معلناً تراجعه، عقب تهديده بالسجن، لينتهي به الحال، في وضع أشبه بالإقامة الجبرية ومراقبة تحركاته بشكل دقيق.
ولم يسلم أيضا حازم عبد العظيم، الذي كان أحد أبرز وجوه "جبهة الإنقاذ"، ومسئول الشباب بحملة السيسي الانتخابية لرئاسة الانقلاب في 2014، من التنكيل. ففي نهاية مايو 2018 ألقت قوة من جهاز الأمن الوطني القبض على عبد العظيم، البالغ من العمر 59 عاماً، بعد مداهمة منزله،
وقبل إلقاء القبض على عبد العظيم بأيام، كانت النيابة المصرية قد حبست المدونين والنشطاء السياسيين الذين كانوا من أبرز الوجوه الداعية لتظاهرات 30 يونيو، وائل عباس، وشادي الغزالي حرب، وشادي أبو زيد وهيثم محمدين، لمدة 15 يوما.
كذلك لم يشفع لمؤسس حركة "6 إبريل" أحمد ماهر معارضته العنيفة للرئيس مرسي إبان فترة حكمه، وتصدّره التحركات الداعية للانقلاب عليه. ففي وقت مبكر عقب الانقلاب العسكري، أصدرت محكمة مصرية، في الأول من ديسمبر 2013، حكماً بحبس ماهر برفقة آخرين، ثلاث سنوات والمراقبة لمدة مماثلة والغرامة خمسين ألف جنيه، بتهمة التحريض ومخالفة قانون التظاهر.
كما لم يشفع لرئيس حزب "مصر القوية" عبدالمنعم أبو الفتوح، وهو المرشح الرئاسي الحاصل على 4 ملايين صوت في انتخابات الرئاسة في 2012، تأييده لدعوة التظاهر احتجاجا في 30 يونيو 2013، من خارج تحالف "جبهة الإنقاذ" وقتها.
ففي فبراير 2018 ألقت أجهزة الأمن القبض على أبو الفتوح من منزله في منطقة التجمع الخامس بالقاهرة الجديدة، عقب عودته من زيارة لبريطانيا، شهدت إجراءه مجموعة من اللقاءات التلفزيونية، التي وجّه فيها هجوما عنيفا على السيسي، متهماً إياه بقتل الحياة السياسية والتنكيل بالمعارضين، وتوريط الجيش في الحياة المدنية.
أما المخرج السينمائي خالد يوسف، والمعروف إعلاميا بمخرج مشهد 30 يونيو، فتنطبق عليه مقولة أنه لقي "جزاء سنمار". فيوسف، الذي شارك عبر طائرات القوات المسلحة بتصوير تظاهرات 30 يونيو، وتضخيمها، لتبدو وكأنها ثورة شعبية ضد الرئيس مرسي، ثم دعمه بكل ما أوتي من قوة للسيسي، ضد حمدين صباحي في انتخابات رئاسة الانقلاب الأولى التي أعقبت الانقلاب العسكري في 2014، تلقى عقاباً قاسياً من السيسي، لينتهي به الحال مطروداً خارج البلاد، وغير قادر على العودة إلى مصر بسبب اتهامات أخلاقية.
كما أن وزير العدل السابق ورئيس نادي القضاة إبان حكم الرئيس مرسي، المستشار أحمد الزند، والذي حوّل نادي القضاة إلى منصة هجوم على مرسي، دأب على تأكيد دوره في الإطاحة بالرئيس الشهيد خلال الجلسات الخاصة، وتشديده على ضرورة حصوله على التقدير السياسي اللازم، عبر تولي منصب لا يقل عن رئيس الوزراء، قبل أن يكلفه السيسي بحقيبة وزارة العدل ليقبلها على مضض.
وبعد ذلك سعى الزند لتسويق نفسه والترويج لتولي منصب رئيس مجلس النواب في أول انتخابات برلمانية عقب الانقلاب العسكري في 2015. وقتها وصلت للسيسي تقارير بأحاديث الزند، خلال لقاءاته الخاصة في الأوساط السياسية، عن تعظيم دوره وكونه شريكا أساسيا في مشهد 30 يونيو. وجاءت الفرصة للسيسي للتخلص مع الزند، بعد زلة لسان للأخير خلال استضافته على قناة "صدى البلد" في مارس 2016، عندما قال "إنه لم يدخل في خصومة مع الصحفيين إلا بعد الخوض في أهل بيته، والسجون خلقت من أجل هؤلاء. أمال السجون اتعملت ليه؟" فسأله مقدم البرنامج الصحافي حمدي رزق "هتحبس صحفيين"؟، فرد الزند قائلاً "إن شاء الله يكون النبي صلى الله عليه وسلم. المخطئ أياً كان صفته يتحبس".
وطلبت أجهزة السيسي من الزند أن يتقدم باستقالته طواعية من منصبه بعدما قامت تلك الأجهزة، بتأجيج الرأي العام ضده عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ليرفض الزند ويتمسك بمنصبه، مهدداً، خلال أحاديث مع مقربين، بكشف الكثير من الحقائق ، قبل أن يصدر رئيس الوزراء قراراً بإقالته من منصبه، ليتم بعدها توجيه تحذير شديد اللهجة بتحريك بلاغات الفساد وتضخم الثروة الخاصة به، بعد استيلائه على آلاف الأفدنة في طريق مصر إسكندرية الصحراوي، ومدينة الحمام في مرسى مطروح، وكذلك الاستيلاء على الكثير من الوحدات السكنية والأراضي الخاصة بمشاريع القضاة من دون وجه حق خلال توليه رئاسة نادي القضاة.
وفي مقابل ذلك، انتهى الحال بعدد من الرموز السياسية التي دعمت الانقلاب العسكري، بالدعوة لتظاهرات 30 يونيو، باعتزال الحياة السياسية، مؤكدين أن هذا القرار جاء بعد انسداد الأفق السياسي، مثل عمرو حمزاوي الذي أعلن اعتزال العمل السياسي في بيان رسمي، والمرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي الذي توارى بشكل تام عن الأنظار. واكتفى آخرون بالتغريد فقط على مواقع التواصل الاجتماعي في أضيق الحدود من خارج البلاد، وفي مقدمة هؤلاء نائب رئيس الطرطور محمد البرادعي، الذي اتخذ من فيينا منفى اختيارياً له، وكذلك الروائي والكاتب علاء الأسواني، الذي أدى دوراً كبيراً عقب انقلاب الثالث من يوليو، في تسويق الانقلاب ومجازره الدموية بحق أنصار الرئيس مرسي لدى الغرب عبر سلسلة ندوات نظمت له في العواصم الأوروبية. الأمر نفسه ينطبق على الناشط علاء عبد الفتاح، الذي أنهى منتصف العام الحالي فترة السجن الصادر بحقه في حكم قضائي بخمس سنوات عقب انقلاب الثالث من يوليو.
ومن جهته، قام الإعلامي الساخر باسم يوسف بتغيير نشاطه من العمل الإعلامي السياسي إبان عهد الرئيس مرسي، بعدما كال له انتقادات سياسية كبيرة، قبل أن يتم منعه من العمل في عهد السيسي، ودفعه للخروج من البلاد بعد حملات تشويه إعلامية، شنّها إعلاميون محسوبون على أجهزة النظام. وتحوّل يوسف أخيراً للبرامج المتخصصة في تقديم الاستشارات الغذائية النباتية.
أضف تعليقك