• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: معن البياري

باستعراضك مواقفَ وتعليقاتٍ عربيةً تناثرت، في الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي، بعد وفاة الرئيس المصري المُنقلَب عليه، محمد مرسي، في محكمةٍ مصرية، تنتهي إلى حزمة نتائج دالّة، أولها أن منسوب الأخلاق شحيحٌ عند كثيرين ينسبون إلى أنفسهم صفةً تنويرية، مدّعاة، ويزاولون الكلام عن الديمقراطية والحريات بشيءٍ من الزعرنة، ويشيعون أنهم من أهل تجديد الخطاب الديني، ومن مناهضي التطرّف، فيما هم مجرّد ملحقين بأنظمة بساطير معلومة، أو حكوماتٍ بوليسية، أو أجهزة دعائية تروج إصلاحات محمد بن سلمان إيّاها، ونهضوية علي جمعة المعلومة، وبطولات خليفة حفتر الخائبة.

ابتلع هؤلاء ألسنتهم، وخرسوا، وما أبدوا شيئاً من الحسّ الإنساني المحض بخصوص وفاة رجلٍ محتجزٍ بتهمٍ مفتعلة، وظل ست سنواتٍ يعاني من الإهمال الطبي، والاضطهاد، في ظروف اختطافٍ تنطق بخسّة السلطة الحاكمة، وانعدام الفروسية في مخاصمتها معارضيها.

وآثر آخرون، من لون هؤلاء الكذّابين في زعمهم التنوير إيّاه، رميَ الكلام المستعمَل عن الإخوان المسلمين في مصر، وما فعلوه في عام حكم مرسي، وعدم إيمانهم بالديمقراطية.

وكان في الوسع أن يُحتمل إفك هؤلاء، وولعهم بالديمقراطية التي يتزوّدون بأرطالٍ منها، وهم يرفلون بفائضٍ من ظلال التسامح، على مبعدة أمتارٍ من سجني الرزين والوثبة في نواحي أبوظبي، لو أنهم أدركوا أن لكل مقام مقالاً، وأن قتل مرسي في سجنه ما تمّ لأنه كان إخوانياً غير ديمقراطي، وإنما أخْذاً بسنّة تصفية الخصوم في السجون، بالإهمال الطبي والتعذيب، فمن بين 826 مصرياً قضوا في زنازين ما بعد 30 يونيو 2013، وحتى مارس 2019، شخصٌ واحدٌ كان رئيساً إخوانياً غير ديمقراطي، اسمُه محمد مرسي.

وثمّة الذين اختاروا المنطقة الوسطى، وكانوا صادقين في استفظاعهم مأساة الرئيس مرسي في سجنه مظلوماً، وترحّموا عليه عن حق. وفي الوقت نفسه، استعرضوا أخطاءً أخذوها على الإخوان المسلمين في العام الذي أمضوه في الحكم، فبدا في أقوال هؤلاء أن "الإخوان" يتحمّلون مقادير من مسؤوليةٍ عن تدخّل العسكر بالانقلاب الذي أنهى رئاسة مرسي وأودعه السجن ليُقتل فيه لاحقاً.

ومن بين ثغراتٍ غزيرةٍ في هذا الكلام تغييبُه أن الجيش في مصر لم يثب إلى السلطة لأن مرسي وجماعته أخطأوا في هذا المطرح وذاك، وإنما لاستعادة سلطةٍ كان يحوزُها نحو ستين عاماً، فأراد أن يمنحها لمن يلبس ثوبَه.

ولذلك، لو كان حمدين صبّاحي رئيساً منتخباً في قصر الاتحادية بدل مرسي، لأقدم الجيش على ما فعل.

وإذا كانت أخطاء "الإخوان" في حكمهم تلك السنة اليتيمة (هي خمسة شهور على الأكثر) بالمقدار الفادح من الجسامة الذي يسوّغ أن يزيحهم الجيش عن السلطة، يصير متوقّعاً أن تشهد مصر تالياً حكماً فيه من الرشادة والعقل والنفع ما يريح البلاد، ويُقنع الناس بأن البؤس الذي كان "الإخوان" سيسببونه في البلاد استدعى النعيم الوفير الذي صاروا فيه، وهم ينتخبون (!) عبد الفتاح السيسي مرتين، قبل أن يُمدّد له إلى ما شاء الله، وهم يختارون برلماناً عظيم الدور والأهلية، فيه خالد يوسف ويرأسه علي عبد العال.

ولكن متواليات الفشل المهولة، في إنهاء الإرهاب، وخفض الأسعار، وإنعاش الاقتصاد، وتطوير الحياة السياسية، والنهوض بالتعليم، وغير ذلك من سوءاتٍ، يعبّر عن بعضها حال الإعلام المصري باهظ الرداءة، كل هذه، ومثلها كثير، شواهد على أن ما جرى ليس إطاحة مرسي فحسب، وإنما إقامة حكم بوليسي فاشل، يخاف من الفريق سامي عنان ويعتقله، ويحبس عبد المنعم أبو الفتوح وهشام جنينة جرّاء كلمتين قالاها.

وحدهم الديمقراطيون عن حق، قالوها بعد قتل مرسي، إن الواقعة جريمةٌ اقترفها نظام انقلابي غير مؤهل لحكم مصر. أعطوا الرجل وصفه رئيسا وشهيداً. لم يتلعثموا في إشهارهم الموقف الصحّْ هذا، وفي قولهم عن البطّة إنها بطّة، واحترموا جلال الموت، فلم تصرفهم فعلة القتل في المحاكمة المرذولة إلى القيل والقال عن "الإخوان"، ولا إلى خرس "التنويريين" من الصنف إيّاه، مثل الذين يصطفّون في عمّان مع بشار الأسد، ونظرائهم في أبوظبي، المنقطعين لإشاعة الاعتدال، فلا يتيسّر لهم وقتٌ ليعرفوا أن معتدلاً عتيداً اسمُه جمال خاشقجي صار ريحا..

قُصارى القول، دلّ قتل محمد مرسي على أن دار لقمان على حالها.

أضف تعليقك