كان موت محمد مرسي متوقعاً، وبحق مثيراً للسخط، وفي رأيي الشخصي جريمة قتل.
بالنسبة لي، إذا توفيت داخل سجن طاغية – وحتى لو لم تكن أول رئيس مصري منتخب – فستكون بشكل أو بآخر قد تعرضت للقتل. ليس مهماً إن كان السبب في ذلك هو الحبس الانفرادي، ونقص العناية الطبية أو العزل. ولا علاقة للأمر بكون المحكمة غير عادلة، وكون التهم سخيفة وغير مقنعة، والحكم مخزيا. فالسجين الذين يعيش في مثل هذه الظروف إنما هو سجين ينتظر الموت في كل يوم ما لم تفتح له أبواب الزنزانة، وهو الأمر الذي لم يكن ليحدث بالنسبة لرئيس مصر محمد مرسي.
أستخدم لقبه الرسمي لأن الرئيس الذي يطاح به في انقلاب عسكري يبقى رئيساً منتخباً. مثلما أن الرجل الذي قاد الانقلاب ينبغي أن يسمى الآن الرئيس عبدالفتاح السيسي. يمثل اللقب في حالة الرجل الأول الشرف والكرامة بينما يمثل في حالة الرجل الثاني الحقيقة الواقعة.
فاز مرسي بالجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية فقط بما يزيد قليلاً على واحد وخمسين بالمائة من الأصوات، بينما حصل السيسي في العام الماضي على سبعة وتسعين بالمائة. تعبر الأرقام عن نفسها، أليس كذلك؟ يمثل الرقم الأول الديمقراطية، بينما يمثل الرقم الثاني ما يمكن فقط وصفه بمعاملة مصر كما لو كان شعبها قاصراً.
إن الذي جرى يعني أن ديمقراطية مصر لفظت أنفاسها أخيراً داخل قفص ذلك السجن بمدينة القاهرة. ولا غرابة إذن أن يجري دفن مرسي على عجل وبتكتم شديد.
إلا أن الرمزية تصبح مهمة حينما يموت آخر رئيس منتخب في البلاد أمام القضاة الذين يحاكمونه داخل قفص يستخدم عادة لاحتجاز المجرمين، ثم يحرم حسبما يقوله ابنه من أن تكون له جنازة معلنة.
بإمكاننا أن نتخيل رد الفعل على طلب العائلة: كان مرسي يحاكم بتهم التجسس لأنه كان يتواصل مع حركة حماس. ولا قيمة هنا لحقيقة أن واحدة من المهام الرئاسية كانت تنظيم وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل في غزة، وهي الوظيفة التي قام بها خلفه بامتثال تام. لن يحاكم المشير الرئيس عبدالفتاح السيسي (وهنا نمنحه لقبيه الرسميين) بتهمة التجسس لأن سياساته العسكرية كان من بينها ضمان سلامة الحدود الجنوبية لإسرائيل.
يمكن للمرء فقط أن يتخيل رد فعل القضاة في آخر محاكمة لمرسي عندما انهار الرجل الذي انتخب رئيساً في عام 2012 وهوى فجأة على الأرض. لأن يكون المرء مستعداً لإصدار حكم بإعدام الرجل، ثم يرى المتهم ينتقل إلى جوار ربه قبل الموعد المخطط له، لا بد أن ذلك محفز على تركيز فريد من نوعه داخل العقول القضائية.
ولكن، هل فوجئوا بذلك يا ترى؟ لطالما احتجت عائلة مرسي على حرمانه من العناية الطبية اللازمة، وهذا ما فعلته أيضاً الجماعات المدافعة عن حقوق الإنسان. لقد كان الرجل يعاني من العزل في حبس انفرادي لثلاثة وعشرين ساعة في اليوم.
إلا أن وسائل الإعلام العالمية ورجال السياسة حول العالم تجاهلوا إلى حد كبير مثل هذه الاحتجاجات. فلقد كان نجم مرسي قد أفل، وغدا ظهوره داخل المحكمة باعثاً على الضجر، وما كان مدهشاً حقاً هو تمكنه من الكلام – أو محاولته الكلام – مع قضاته لمدة خمس دقائق قبل رحيله ومغادرته حماهم القضائي إلى الأبد.
إذا ما علمنا أنه لم يسمح له بأكثر من ثلاث زيارات عائلية خلال ستة أعوام من العزلة في الحبس الانفرادي، ولم يسمح له باللقاء مع محاميه ولا بالعرض على طبيب – فإن الأدلة تشير إلى أن موته كان لا محالة مرجواً من قبل سجانيه ومن قبل قضاته ومن قبل الرجل الأوحد في مصر الذي لا يجرؤ أحد على مخالفته.
لطالما حاول السيسي الخلط بين الإخوان من جهة وبين القاعدة وداعش ومن يهاجمون الكنائس ويعتدون على حياة المسيحيين من جهة أخرى. لو كانت داعش وحماس والإخوان كلهم الآن ملامين معاً على الانتفاضة الإسلامية المندلعة في سيناء وعلى الفظائع التي ترتكب في القاهرة، فهل نظن حقيقة أننا سنسمع أي تعبير عن الحزن أو الأسى بين زملاء السيسي عندما وصلهم خبر وفاة مريض السكري البالغ من العمر سبعة وستين عاماً والذي وفرت وفاته على الحكومة تكاليف شنقه؟
وبالطبع لم تنظم له جنازة علنية. ثمة فرق بين أن تستخدم كلمة "إرهابي" لوصف الإخوان المسلمين وبين أن تصم بالإرهاب كل رجل وكل امرأة يتعرضان للقتل أثناء المشاركة في جنازة.
حتى في مصر، هنالك حدود. أم ليس هذا صحيحاً؟
أضف تعليقك