• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانيتين

بقلم عز الدين الكومي

“تلفزيون العربى” في برنامج “عصير الكتب” استضاف أحد القمامات الفكرية “أحمد صبحي منصور”، فصال وجال ونهق وخار وأرغى، وأزبد، قائلا “السياسة ما دخلت في شيء إلا أفسدته”، واستشهد بتفسير قوله تعالى “وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) من سورة التوبة، وزعم هذا الأفاك زوراً وبهتاناً، أنها تقصد الصحابة الذين كانوا مقربين من النبي حينها وأصبحوا لاحقا هم الخلفاء الراشدين للدولة الإسلامية في أول عهدها بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، متهماً الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أنهم جواسيس قريش!.

ومنهج أهل الزيغ والضلال ، هو محاولة النيل من الصحب الكرام ، لهدم الدين من داخله ، فقد قام أحد جرذان الفكر السقيم بالتطاول على الصحابى الجيل “أبوهريرة”- رضى الله عنه-  فتصدى له العلامة “محمد صالح العزى” في كتابه الرائع “دفاع عن أبى هريرة” فقد قال في مقدمته: (ولكنّ اليهود وأعوانهم وأتباعهم لم يلقوا السلاح، ولم ينصرفوا عن حربهم للإسلام، فسلكوا مسلكاً آخرَ يقوم على التشكيك في رواة السنة النبوية، ولا سيما المكثرين منهم، وإثارةِ الشبهات حولهم، والطعنِ في أمانتهم وصدقهم بحجة النقد العلمي، والبحثِ الموضوعيّ، والرأي الحرّ.

وقد أجمع علماء الحديث على عدالة الصحابة رضي الله عنهم، ولاشك في صحة جميع ما يروونه. فقد قال الإمام “ابن الصلاح:” للصحابة بأسرهم خصيصة وهي أنه لا يسأل عن عدالة أحد منهم، بل ذلك أمر مفروغ منه، لكونهم على الإطلاق معدلين بنصوص الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به في الإجماع من الأمة، قال الله تبارك وتعالى” {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} .

وقال الإمام “أبوالحسن الأشعري” رحمه الله: في كتابه” الإبانة عن أصول الديانة: ” الكلام في إمامة أبي بكر الصديق رضي الله عنه… وإذا وجبت إمامة أبي بكر رضي الله عنه، بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب أنه أفضل المسلمين … وإذا ثبتت إمامة الصديق رضي الله عنه ثبتت إمامة الفاروق رضي الله عنه، وكان أفضلهم بعد أبي بكر رضي الله عنهما. وثبتت إمامة عثمان رضي الله عنه بعد عمر رضي الله عنه… وثبتت إمامة علي رضي الله عنه بعد عثمان رضي الله عنه… هؤلاء هم الأئمة الأربعة المجمع على عدلهم وفضلهم. رضي الله عنهم أجمعين.

وقال القاضي “أبو بكر الباقلاني”  في كتابه” الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به ” … ويجب أن يعلم أن إمام المسلمين وأمير المؤمنين ومقدم الخلق أجمعين من الأنصار والمهاجرين، بعد الأنبياء والمرسلين: أبو بكر رضي الله عنه… ثم من بعده على هذا أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه لاستخلافه إياه …وبعده أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه لإجماع المسلمين أنه من جملة الستة الذين نص عمر عليهم… وبعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه… والدليل على إثبات الإمامة للخلفاء الأربعة رضي الله عنهم على الترتيب الذي بيناه: أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا أعلام الدين، ومصابيح أهل اليقين، شاهدوا التنزيل، وعرفوا التأويل، وشهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم خير القرون، فقال “خير القرون قرني” فلما قدموا هؤلاء الأربعة على غيرهم ورتبوهم على الترتيب المذكور، علمنا أنهم رضي الله عنهم لم يقدموا أحدا تشهيا منهم، وإنما قدموا من قدموه لاعتقادهم كونه أفضل وأصلح للإمامة من غيره في وقت توليه.

وقال حجة الإسلام “أبو حامد الغزالي في كتابه” الاقتصاد في الاعتقاد ” :” اعلم أن للناس في الصحابة والخلفاء إسراف في أطراف، فمن مبالغ في الثناء حتى يدعي العصمة للأئمة، ومنهم متهجم على الطعن بطلق اللسان بذم الصحابة. فلا تكن من الفريقين، واسلك طريق الاقتصاد في الاعتقاد، واعلم أن كتاب الله مشتمل على الثناء على المهاجرين والأنصار. وتواترت الأخبار بتزكية النبي صلى الله عليه وسلم إياهم بألفاظ مختلفة… كقوله ” خير الناس قرني ثم الذين يلونهم” … وما من واحد إلا وورد عليه ثناء خاص في حقه يطول نقله، فينبغي أن يستصحب هذا الاعتقاد في حقهم، ولا تسئ الظن بهم ، كما يحكى عن أحوال تخالف مقتضى حسن الظن.

فأكثر ما ينقل مخترع بالتعصب في حقهم ولا أصل له، وما ثبت نقله فالتأويل متطرق إليه ولم يجز مالا يسع العقل لتجويز الخطأ والسهو فيه، وحمل أفعالهم على قصد الخير وإن لم يصيبوه …هذا حكم الصحابة عامة. فأما الخلفاء الراشدون فهم أفضل من غيرهم، وترتيبهم في الفضل عند أهل السنة كترتيبهم في الإمامة.”

و قال الإمام أبو جعفر الطحاوي ( تـ 321 هـ) في كتابه ” بيان أهل السنة والجماعة” ” ونحب أصحاب رسول الله، ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونف اق وطغيان، ونثبت الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أولا لأبي بكر رضي الله عنه تفضيلا له وتقديما على جميع الأمة، ثم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم لعثمان رضي الله عنه، ثم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهم الخلفاء الراشدون، والأئمة المهديون…”.

ولقبوا بالراشدين لما امتازت فترة حكمهم من حكم رشيد حيث قاموا بنشر الدين خير  قيام، وكانت ولايتهم رحمة وعدلاً، واتسعت رقعة الدولة الإسلامية في عهدهم لتشمل الشام والعراق ومصر وغيرها.

ولم تأت ولاية هؤلاء الخلفاء الراشدين بناء على احتكار للسلطة أو تفرد بها، وإنما عن اختيار من أهل الحل والعقد لهم وتوافق الأمة عليهم، فكان اختيار الصديق عن اجتماع المسلمين أنصاراً ومهاجرين، واختيار عمر كان بتزكية أبي بكر ورضا المسلمين وإجماعهم عليه، وكان اختيار عثمان عن توافق وتشاور بين الصحابة، وكذلك كان اختيار علي – رضي الله عنهم جميعاً – وإن تفاوتت نسب التأييد لكل واحد منهم.

وبعد كل هذا يخرج أحد أدعياء العلم ليتطاول على مقام الصحابة والخلفاء الراشدين ووصفهم بأنهم كانوا جواسيس بثتهم قريش{ كبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا}الآية (5) سورة الكهف.

أضف تعليقك