بقلم: سليم عزوز
انتهى الشهر الفضيل، وخرجت مصر من “مولد الدراما” بدون حمص، الذي اشتهرت به “الموالد”، حيث يباع بها، ومن هنا يعد خروج المرء من “الموالد” دون أن ينال نصيبه من الحمص، دلالة على أنه لم يكسب شيئاً!
لقد استولى العسكر على الدراما، كما استولوا على الفضائيات والصحف، وجاري حمل صاحب صحيفة “المصري اليوم” على بيع جريدته للشركات المملوكة للأجهزة الأمنية، فقد قام بتغيير رئيس التحرير لأكثر من مرة، فعين “حمدي رزق” باعتباره مقرباً من أهل الحكم، فلما غضبت عليه الآلهة، ورأى عبد اللطيف المناوي قال هذا ربي هذا أكبر، وقد لفت انتباهه – ربما هنا- إلى أن القوم يأخذون كل سفينة غصبا، ولن يرضيهم إلا أن يشتروها لتصبح من “الجواري” في البلاط، ولو كانت النهاية هي إغلاقها. لكنه يناور، وقد ضاقت عليه الحلبة، وبعد أن قاموا بالقبض عليه واهانته، ثم اضطروا لتدخلات خارجية لإصدار حكم ببراءته من قضية حيازة سلاح بدون ترخيص، فقد كان القرار مؤخراً بمنعه من السفر!
لقد استولت دولة العسكر على قناة “الناس”، لتقوم بإغلاقها، مع أنها لم تكن تحيد عن الخط المرسوم لها عندما اشتروها، وعندما أغلقوها، فالعسكر لا يرضون بأقل من وضع أيديهم كاملة على كل وسائل الإعلام، أخذاً بالأحوط!
من تم تعيينه رئيسا لتحرير “المصري اليوم” وهو عبد اللطيف المناوي، هو رجل المجلس العسكري منذ قيام الثورة، وإذا كان الوزير أنس الفقي كان على اتصال بمبارك وآل بيته، فإن المجلس العسكري، كان على تواصل مع رئيس قطاع الأخبار المناوي، على النحو الذي أورده في مذكراته عن هذه المرحلة، ليكون لهم رجلهم في المبنى.
وإذ قامت الثورة في تجلياتها بعد عزل مبارك، برفع مطالب من بينها عزل المناوي، من موقعه لأنه أساء لها عبر التلفزيون المصري، وقام بتشويهها، فإن العسكر تمسكوا به، وفي الأخير لم يكن أمام الثوار من سبيل إلا أن اقتحموا مكتبه، لحمله على الرحيل، وعندئذ أيقن المجلس العسكري أن وجوده في مبنى ماسبيرو انتهى!
ومع هذه العلاقة بين المناوي والعسكر، فإن اختياره رئيساً لتحرير “المصري اليوم” ليس كافياً، فلا بد من وضع اليد، وربما “البيادة” على الجريدة، لتصبح ضمن ما ملكت أيمانهم، وقد وصل الحال إلى استحواذهم على الدراما من خلال شركة مملوكة لهم، كنت أظن أنها تمول من ميزانية الجيش، لكن أزمة رئيسة مجلس إدارة الشركة والوزيرة السابقة وحرم محافظ البنك المركزي الأخيرة، أكدت أن التمويل يتم من أموال المودعين بالبنوك، لهذه الشركة التي هى فوق القانون، وفي النهاية فلن ترد هذه المديونية، وأعلى ما في خيل البنوك تركبه، فالعين لا تعلو عن الحاجب، وهذا ما يفسر عدم ا شركات العسكر بفكرة النجاح في مجال الإعلام، وإن أنتجوا دراما فاشلة وخاسرة، أو اشتروا قنوات تلفزيونية من أجل إغلاقها!
لا يوجد في رمضان هذا العام مسلسل واحد يمكن اعتباره عملاً جيداً، إلا في إطار المقارنة بين السيئ والأسوأ، وفي أجواء الفشل هذه استمرت الدراما التركية على القمة بلا منافس، ومكنت من أن تصبح شخصية “أرطغرل” علامة تجارية، فيستغل أحد السوريين في مصر ذلك فيحمل مطعم له اسم هذه الشخصية التاريخية، فيرى النظام المرتعش في ذلك خطراً على الأمن القومي المصري، فُينزل اللافتة التي تحمل اسم المطعم، ولولا المسلسل التركي الذي يحمل هذا الاسم لما سمع به المصريون وغيرهم، فما هو الإنجاز الذي قدمته دراما العسكر؟!
لا شك أن مصر خرجت من المنافسة في مجال الدراما قبل الحكم الحالي، لصالح الدراما السورية، والتي تراجعت الآن، لصالح الدراما التركية، لكن المرحلة الحالية هي تدشين لإعلان الموت التام للدراما في مصر، باستيلاء العسكر على هذا المجال الإبداعي، فما علاقة القوم أصلا بالإبداع ليكون قبضتهم؟!
لم يحدث أن شاهدت ولو حلقة واحدة من المسلسلات التركية ذائعة الصيت، فلا يتوفر لي الوقت لمشاهدة مسلسل تتجاوز حلقته المئة، لكني أعلم أن الجيل الجديد من المصريين يعكف على المشاهدة، لما في الأداء من جاذبية، وإذا كانت قد جذبتهم في البدء الأعمال الرومانسية مثل مسلسل “نور ومهند” فقد عكفوا على مشاهدة “أرطغرل”، مع أن الأعمال الدرامية الطويلة لا تمتلك الجاذبية اللازمة للمشاهدة، ومن هنا فإن هذه الأعمال كان يقوم بها انتاج الدولة في مصر، وقد كان لافتا بالنسبة لي، أن الفيلا التي تم تصوير مسلسل “نور ومهند” فيها صارت مزاراً سياحياً يقصده السائحون العرب ومن دول الخليج بالذات، كما قيل لي في إسطنبول!
ومن عجب أن هذا التفوق يواجه بسيطرة العسكر على مجال صناعة الدراما في مصر، والذين يتعاملون على أنهم يديرون بلداً مغلقا، حيث لا يوجد في هذا العالم من ينافسهم. ويمثل فشلهم هم أداة جذب للدراما التركية، لأنهم يديرون البلاد كما لو كانت معسكرات خارج حدود التجمعات البشرية، ولهذا فإن عسكر السودان أزعجهم الانترنت فصاح أحدهم إنه خطر على الأمن القومي السوداني، وتم قطع خدمته، للعودة بالسودان لزمن ما قبل الانترنت فلا يشعر العسكر بقدرتهم على حكم البلاد وإدارتها إلا بأخذها بعيدا عن العالم لتكون بمثابة وحدات عسكرية معزولة عن العمران!
لقد كان الفشل العسكري في إدارة القنوات التلفزيونية سبباً في ذهاب المشاهد المصري إلى القنوات التي تبث من تركيا، “مكملين” و”الشرق”، وكان الفشل في مجال الدراما سبباً في تأكيد نجاح الدراما التركية!
بيد أن المشكلة في أن العسكر لا ينفقون على فشلهم من جيوبهم ولكن من مال البنوك ومال الشعب.
تلك هي المشكلة الحقيقية.
عبد السلام فارح في “الجزيرة”
أخيراً وجد “عندليب” الجزيرة الأسمر “عثمان آي فرح” من ينافسه، فقد استقبلت القناة ثلاثة مذيعين جدد دفعة واحدة، من بينهم “عبد السلام فارح”، بيد أن “عثمان” تعامل بروح رياضة فرحب بهم جميعاً عبر صفحته على “فيسبوك”، وكان واضحاً أنه يختص بالترحيب منافسه “فارح”، فقد صار في “الجزيرة” “فرح” و”فارح”، الأول إريتري والثاني صومالي. وجنسية “عبد السلام” عرفتها من ترحيب الأخوة الصوماليين بهذا الحضور لابن بلدهم على القناة العربية الأشهر، ومن الواضح أنه حضور يسعد كثيراً الأخوة الأفارقة.
في مصر، وفي محطة مترو أنفاق كوبري القبة، وعندما مد أحد طلاب جامعة الأزهر يده لي مصافحاً، عرفني بنفسه بأنه من إريتريا بلد “عثمان آي فرح” وفي الدوحة وجدت التعريف نفسه من أحد الإريتريين فيها، محظوظة إريتريا بعلامتها المميزة “عثمان آي فرح” مما جعلني أرشحه لمنافسة الرئيس الإريتري “أسياس أفورقي” على مقعد الرئاسة!
وهذا الاحتفاء الكبير من قبل الصوماليين لانضمام “عبد السلام فارح” لفيلق الجزيرة، يأتي في هذا السياق، وأحد المعلقين لم ير في هذا الانضمام أمراً عادياً فأرجعه إلى نظرية المؤامرة، حيث أن عمل “عبد السلام فارح” في الجزيرة هو ثمن العلاقة الجيدة بين السلطة في الصومال وبين الحكومة القطرية. يا إلهي من أين جاء هؤلاء القوم؟!
المذيعون الجدد يعملون في الجزيرة والناس نيام، رغم الحوادث الكبيرة التي حدثت في هذا التوقيت والتي لم تبدأ بقرار حصار قطر، ولم تنته بالانقلاب العسكري في السودان، إلا أنه لا يزال التعامل على أن “الليل ستر وغطاء”.. “حسينة أوشان” لا تزال تعمل في هذه الفترة إلى الآن!
وهذا ليس موضوعنا، فلأن الظهور في هذه الفترة للثلاثي الذي التحق حديثا بالجزيرة، فلم أتمكن سوى من مشاهدة “عبد السلام فارح”، الذي ظهر واثقاً من نفسه، وكأنه من الجيل المؤسس بالقناة، وهو أمر كاشف عن أنه اختيار صادف أهله. لقد جاء لـ “عندليب الجزيرة” من ينافسه.
أبو بكر مذيع الدولة
هذا الاختيار لربع المحامي وشبه المذيع خالد أبو بكر ليحاور الضباط السابق بالجيش المصري “هشام عشماوي” العائد من ليبيا ليس من فراغ!
لقد تقدم وتأخر، وأقدم وأدبر، فلم يجد ما يقوله له سوى حمد لله على السلامة يا هشام.. يوشك أن يسأله بما كانت تسأل به الاذاعية الراحلة أمال فهمي ضيوفها في برنامج “على الناصية”: “تحب تسمع إيه”؟!
لقد كان الفتى مرتبكا، ومشوشاً، ليؤكد أنه خيار خاطئ في بلد يوجد به عشرات المذيعين المحترفين الذين كان يمكن أن يؤدوا أداء أفضل من هذا الانهيار المقصود في حد ذاته، حيث الاستهانة بالعمل الإعلامي، وحيث اعتقاد العسكر أنهم يستطيعون صناعة إعلاميين من خارج دائرة المهنة، وهو أمر متصل باختيار مخرجة لتحاور عبد الفتاح السيسي هي “ساندرا نشأت”!
إنها خيبة الأمل راكبة جمل.
أضف تعليقك