بقلم عز الدين الكومي
مع حلول ذكرى نكسة، 1967 على يد الزعيم الملهم ومن حوله من عصابة الحكم العسكري، تذكرت ما قاله عبدالناصر بعد التخلص من الرئيس “محمد نجيب”: “إحنا مستعجلين على إيه؟ إحنا قاعدين في الحكم عشرين سنة.. ولما الثورة تثبت أقدامها وتنتهي من خصومها نبقى نعمل الديمقراطية إللي انتوا عايزينها”، كما ورد في مقال للكاتب “محمود معوّض” في صحيفة “الأهرام”، في سبتمبر 2011.
وبدوره نشر “البرادعى” فيديو قديما للراحل “نجيب محفوظ”، يتحدث فيه عن “الديمقراطية”، مع الإعلامي الراحل “طارق حبيب” قائلا: “اختفاء الديمقراطية سبب جميع الكوارث”، و”الديمقراطية ميزتها حتى لما تغلط بتصلح نفسها، عملنا في روحنا حاجات توضب أحسن توضيب لهزيمة محترمة، في إشارة للنكسة التى ألمّت بالعرب سنة 1967.
فقد جلب عبد الناصر الشيوعية، بكل دمويتها وفسادها للمنطقة، فشكل لجنة “التحول الاشتراكي السداسية” من مجموعة من الشيوعيين سنة 1961، بعد انتهاء الوحدة بين مصر وسوريا –وقد تخصصت هذه اللجنة في السخرية من الدين والعرف والعادات والقيم الإسلامية، كما ينتشر اليوم مصطلح تطوير الخطاب الدينى.
وسوف نستدل بأقوال وكتابات من عاصروا هذا الطاغية لمحاكمة هذه الحقبة المظلمة من تاريخ البلاد، فقد كتب “موسى صبرى” في جريدة الأخبار الصادرة في يوم الجمعة 11 أبريل سنة 1977، مقالا جاء فيه أنه “في يوم من الأيام أصبحت مصر في جيب الاتحاد السوفيتي ورهنت له كل محصولاتها، وصدرت الأوامر ألا تشتري مصر شيئا من المصانع إلا من الاتحاد السوفيتي، حتى ولو لم تتحرك المصانع، وألا تشتري الطائرات إلا من الاتحاد السوفيتي حتى ولو لم تتحرك الطيارات.
وبنفس المنطق يتحدث الكاتب الصحفي “جلال الحمامصي”، في جريدة الأخبار الصادرة في 4 يوليو سنة 1977 عن كارثة الاشتراكية في مصر(عندما يقال رسميا وعلى أعلى المستويات إن التطبيق الاشتراكي في مصر فشل… إن الدعوة إلى الاشتراكية قد انطلقت من قاعدة امتلأت بالحقد الممزوج بالتطلع إلى الانفراد بالثراء الشخصي السريع، كانت الأجهزة المسئولة عن التطبيق الاشتراكي، قدوة سيئة للقاعدة الشعبية، حيث أصبحت الكثرة تسعى إلى استغلال كل اتجاه اشتراكي لصالحها الخاص اقتداء بالذين نصبوا أنفسهم حراسا على التطبيق الاشتراكي).
كما قال “السادات” وهو أحد المقربين من عبد الناصر ونائب رئيس الجمهورية في كتابه (البحث عن الذات)، في أهرام الجمعة 10 مارس 1978: (وهكذا بدأنا في سنة 1957 ونحن نملك اقتصادنا بالكامل، بالإضافة إلى أرصدتنا من الإسترليني أي الـ400 مليون جنيه التي أفرجت عنها بنوك إنجلترا، كان يجب أن تكون هذه مرحلة انطلاق فالأرصدة متوفرة… وكذلك الاحتياطي، كان كل شيء في الواقع معدا لكي نخطط ونبدأ بناء أنفسنا من الداخل بناء ضخما يعوض على مصر ما فاتها في سنوات التحلل والاحتلال، ولكن للأسف لم يتم شيء من هذا فقد كان عبد الناصر مشغولا بالخرافة التي أصبح اسمه مقترنا بها، فهو البطل الذي حقق النصر على إمبراطوريتين كبيرتين: بريطانيا وفرنسا.
فبعد أن أغفل عبد الناصر الدور الحقيقي الذي لعبه أيزنهاور في هذا المجال، مما حول الهزيمة العسكرية إلى نصر سياسي، أصبح كما يبدو أول المصدقين بأنه انتصر، لا للحقيقة، وهي الهزيمة العسكرية، ولكن الذي يعرف جمال عبد الناصر، يعرف أنه كان من الممكن أن يغير رأيه في آخر لحظة، ولذلك كان بعضنا يحرص على ألا يذيع رأيا أو قرارا لعبد الناصر إلا بعد أن يعلنه عبد الناصر بنفسه على الناس أجمعين).
وقال ثروت أباظة في الأهرام الأربعاء 15 مارس سنة 1978: (لقد استطاع العهد الماضي أن يدمر كل القيم، ثم هو جلب الفقر والخراب على الشعب، فازدادت القيم مواتا وخذلانا وذبولا، هؤلاء الرءوس أذناب العهد الماضي صنعتهم الأيدي النتنة التي كانت تحكم مصر قبل 15 مايو سنة 1971).
العالم كله أولا ومصر أخيرا!!
وفى صحيفة الأخبار الإثنين 27 مارس سنة 1978 كتب عماد عبد الحميد النجار بعنوان (الحياد ومسارنا السياسي): (أما طابع السياسة في الجمهورية الأولى فكان قائما على أن الغرب أولا، والناس جميعا في بقاع الأرض أولا، ثم مصر أخيرا، والمصريون باقون دائما في مؤخرة الاهتمام). (وحسبنا أن نذكر ما أنفقناه في حروب كثيرة لا ناقة لنا فيها ولا جمل في خوض غمارها.. من ذلك الحرب ضد تشومبي في الكونغو لصالح لومومبا، والحرب ضد إمام اليمن لصالح السلال والحرب ضد عبد الكريم قاسم لصالح عبد السلام عارف، وغير ذلك مما أنهك مصر وبدد مالها، وحرم منه المصري دون ذنب وبغير فائدة، ناهيك عن حرب الصحف والمقالات وشرائها، والمخابرات العامة ونشاطها المواكب لهذه السياسة). ويقول فى فكرة أخرى نشرتها جريدة الأخبار يوم الثلاثاء 4 أبريل سنة 1978: ولا نتهم أحدا بالتجني أو العداوة فهذه الحقائق نشرت ولم يكذبها أحد، فهي في موقف الصدق إلى أن يكذبها ورثة وأحباب وأصدقاء وبطانة عبد الناصر، إن كان تاريخه يهمهم بعد أن أفضى إلى ما قدم.
ويقول مصطفى أمين في فكرة الأخبار، الجمعة 27 يناير سنة 1978: (الشعب تبين وتأكد بأن الخراب الذي نعانيه، والغلاء الذي نكابده، والهزيمة التي ندفع ثمنها، أو العذاب اليومي الذي يتحمله، هو نتيجة طبيعية لحرمانه من حقه في النقد وحقه في الرفض وحقه في المناقشة، وحقه في الحوار، وحقه في أن يعرف كل شيء، هو نتيجة طبيعية لحياة الظلام عندنا تنطفئ كل أنوار الحرية، وتوضع عصابة على عين الشعب، ويمشي كالأعمى متوكئا على الحاكم، ثم يفيق الشعب بعد، إنه يهوي من شاهق، إن الحاكم الذي يقوده، قد أعمته السلطة، وأصمه الصمت، بعد أن كمم كل الشفاه، وفقد القدرة على اختيار الطريق، بعد أن جعل الذين حوله خائفين واجمين، أخرسهم الإرهاب عن النطق وأعجزهم البطش عن التفكير).
ومع ذلك ما زال هناك من يمجد هذا الصنم، ويعتبره بطلاً قومياً، كما قال الشاعر”عمر أبو ريشة”:
أمتي كم صنم مجدته لم يكن يحمل طهر الصنم.
أضف تعليقك