بقلم: عز الدين الكومي
“عبد الباسط الساروت” من مواليد مدينة حمص عام 1992 وكان من أوائل الملتحقين بركب الثورة السورية، خاصة من الرياضيين، لأنه كان حارس مرمى نادي “الكرامة” الحمصي، والمنتخب السوري للشباب.. ترك مرماه ليلقى بالكرة في مرمى الثورة السورية، منذ بدايتها مدافعا عنها وعن كرامة الشعب السوري، ومنشداً لها بأعذب الألحان في أنشودته الشهيرة:
جنة جنة جنة:: والله يا وطنا
يا وطن يا حبيب يا بو تراب الطيب
حتى نارك جنة!!
كان بوسع الساروت، أن يعيش كما يعيش الآلاف من الشباب بلا هدف وبلا روح ، يلهو ويعبث لا يعبأ بثورة بلاده، يحلم بالاحتراف في أحد الأندية الخليجية أو الأوربية، ليعيش حياته، لكنه انحاز لحلم وطنه السورى…ذلكم الحلم الذي منح الساروت لقب أيقونة الثورة السورية!!
إنه حارس المرمى المقاتل، الذى ثار ضد النظام النصيرى الطائفى، في البداية تظاهر سلمياً كما هى طبيعة الثورات، وغرد بأناشيده الحماسية في ساحات حمص، حتى تم عسكرة الثورة بفعل النظام البعثى الحاقد، حتى يتسنى له تبرير ما يقوم به من جرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية بالكيماوى والغازات السامة والبراميل المتفجرة، فانطلق الساروت إلى ساحات الجهاد مجاهداً ومنشداً ومدافعاً، منذ عام 2011، فكان رمزاً للحراك السلمى في بادئ الأمر، من حى البياضة بحمص، ذلكم الحى الذى نشأ فيه وترعرع، ومن حى البياضة إلى حى”بابا عمرو” وحى”الخالدية”.
عاش مرارة الحصار في أحياء حمص لأكثر من سنتين، قبل أن يخرج في 2014 إلى ريف حمص الشمالي، ومنها إلى الشمال السوري، وهناك انضم إلى “جيش العزة” أحد الفصائل المجاهدة في الشمال السورى.
وكما كانت تفعل سلطات الاحتلال الفرنسى والبريطانى في بلادنا، عندما تعجز عن ملاحقة المجاهدين، فترصد لذلك جائزة، ليقوم أحد الخونة بالإمساك بالمجاهد أو تصفيته، مقابل حفنة من المال، هكذا فعل النظام الأسدى النصيرى البعثى فرصد مبلغ مليوني ليرة، أى ما يعادل (أربعة ألف دولار) للقبض على الساروت. كما عُرض عليه أن يذهب إلى القصر الجمهوري ثم إلى قناة الدنيا السورية التابعة للنظام النصيرى ليسجل تراجعه عن ثورته، وامتداح الطاغية، في المقابل سيعود إلى تدريباته ورياضته المفضلة.
وعندما فشل النظام في احتواء الساروت، بالترهيب و بالترغيب، فقامت وحدات من جيش النظام باستهداف منزله بالبياضة، لكن الساروت وعائلته تمكنوا من الهرب، لكن شقيقه الأكبر وليد وأولاد خالته وعدد من الشبان استشهدوا، بعدما رفضوا تسليم أنفسهم لجنود النظام.
صدر أمر باعتقال الساروت من “هيئة تحرير الشام” في يونيو عام 2017، على خلفية اتهامات وجهت له بالتنسيق مع تنظيم الدولة، واضطر للذهاب إلى تركيا، ولكنه عاد مرة أخرى ليمثل أمام المحكمة الشرعية التابعة لجيش الفتح وتثبت براءته ليعود مسيرته كقائد ميداني لكتيبة شهداء البياضة كجزء من جيش العزة في الشمال السوري.
ومن قبل استشهد خاله “محي الدين الساروت”، وأشقاؤه الأربعة، “وليد الساروت” في تظاهرات الخالدية عام 2011 و”محمد الساروت” عام 2013 وأحمد وعبدالله الساروت في يناير 2014، في حى الخالدية، قبل رحيله من حمص، وهاهو اليوم يلحق بالركب المبارك عند مليك مقتدر.
أما أمه “خنساء الساروت” التى تقبّلت فُقدان زوجها وخمسةً من أبنائها وخمس من أخواتها، واثنين من أحفادها، بقلب صبور، لتواصل مسيرة الصبر والتحمل، مع فلذة كبدها الخامس “بسام”، الذي لم تقتله قذائف النظام وشظاياه، لكنه اختطفه الموت، من يديها بجلطة أودت بحياته، ولكنها رددت في ثبات رائع لتعطى للمنهزمين درساً في الصبر والثبات:الحمد لله، الله أعطاني والله أخدهم، كما قالت الخنساء الصحابية من قبل عندما استشهد أولادها الثلاثة: (الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته).
وكان “عبد الباسط الساروت” قد نجا من هجوم استهدف منزله في مدينة “معرة النعمان” بريف إدلب الجنوبي، عن طريق ثلاثة ملثمين كانوا يحاولون زرع عبوة ناسفة في سيارته، وعندما كشف أمرهم لاذوا بالفرار بعد أن اشتبك معهم، ولم تكن هذه المحاولة الأولى، فقد حاول النظام اغتيال “الساروت” عدة مرات، حيث أصيب بطلقٍ ناري في حي “البياضة” عند محاولة قوات الأمن فض مظاهرة سلمية.
بثوب جديد زفيني جيتك شهيد
يا يمه!
صفيت بدار
فيها الأبرار
فيها الصحابة
والمختار
يا يمه!
بالجنة نور ورجال وحور
سعدها ما يبور.. يا يما
لو كان مثلك يا شهيد الرجال علا
للدين صوت وعاد الكفر يخشاه
لو كان مثلك يا شهيد الشباب لما
تجرع العرب ذلًا أنت تأباه
لكن بلينا بأجيال بلا همم
فكل عيشهم قيس وليلاه
رحل الساروت بعد أن عشق الثورة فغنى لها وأنشد وتمنى الشـهادة فنالها، وكان يبحث عن الموت في مظانه طوال سنوات الثورة. ورغم الأحداث التي مرت بالثورة السورية، لم يتوقف الساروت عن العمل، منشداً ومجاهداً ومعلماً لشباب الثورة. رحل الساروت في صمت، تاركا وراءه ثورة تآمر عليها العالم أجمع، لكنه أحيا الأمل في نفوس كثيرين.
كنت بحق حارسا للكرامة، كما كنت حارساً أمنياً للثورة وبلبلاً صداحاً، صدقت الله فصدقك. وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)سورة آل عمران.
أضف تعليقك