بقلم: سليم عزوز
ذكرتني صورة عبد الفتاح السيسي وهو يتوجه إلى الكاميرا بالدعاء بينما يستدبر الكعبة المشرفة، بحكايتي مع اللص التائب!
في بداية التسعينيات، كانت قد ذاعت قصة "اللص التائب"، الذي تبرع لوزارة الداخلية بكل ما يملك، ورد الحقوق لأصحابها، ومن بين ما يملكه عمارة في القاهرة، لأن ما يملكه هو نتاج قيامه بسرقة الشقق، وقدرته العجيبة على التعامل مع المفاتيح والأقفال، وقد استضافه التلفزيون والصحف، وقامت جريدة "أخبار الحوادث" التي توزع نصف المليون نسخة أسبوعيا، بإجراء حوار مطول معه، لكن حدث ما جعلني أتشكك في أمره، ودفع بقبيلة من الفئران لتعبث في صدري، كناية عن الشك!
"فز يا نصاب":
مع أنه صار نجماً يشار إليه بالبنان، إلا أنه كان يتردد على مكتبي كل صباح، فلا يعنيه ما نشر عنه في كبريات الصحف ومقابلاته التلفزيونية، ولكنه يريد أن تنشر جريدة "الأحرار" حكايته، ورغم أن الأموال التي تنازل عنها كثيرة، فإنني لم أكن مرتاحاً إليه!
كان يتودد لي، ويخاطب عواطفي الجياشة، فكيف للصحفيين الأغراب وقد كتبوا عنه، ولم يكتب عنه صعيدي مثله، وكلما ألح عليً للكتابة عنه ازدادت شكوكي، لكنها انطباعات، وفي لحظة يأس إزاء هذا الإلحاح قلت ربما كانت هواجسي – التي لا دليل يعززها – ليست في محلها!
قلت لزميلي المصور، أن يلتقط له مجموعة من الصور، لأنني سأكتب حكايته، وما إن شرع الزميل في تصويره، حتى فوجئت باللص التائب يقفز من فوق الكرسي ويجلس على الأرض، وقد رفع يديه إلى السماء بشكل مبالغ فيه، وكأنه يجلس في مسجد، وكأنه يستقبل القبلة، في حين أنه كان يستقبل الكاميرا، وراعني أن ملامح وجهه اكتست بالخشوع، وقد أدهشني أنه استدعاه سريعاً من أجل "اللقطة" فحضرت ولبت!
عندئذ طلبت من الزميل أن يتوقف، وأمسكت "اللص التائب" من قميصه، وأنا أرفعه ليعاود جلوسه على الكرسي قائلا له: "قم فز يا نصاب"، واعتذر لي لأنني فهمته خطأ، ثم انصرف ولم يأتِ لزيارتي مرة أخرى، فمن الواضح أنه فقد الأمل تماماً في أن أروج له، مع إيماني بأنه لم يعد بحاجة إلى مثلي للقيام بهذه المهمة!
القبض على اللص التائب:
بعد سنوات من هذه الواقعة، حدث ما أكد أن انطباعي ليس من فراغ، لقد ألقت الشرطة القبض على اللص التائب، وهو يقوم بسرقة إحدى الشقق، وتبين أن هدفه من إعلان توبته هو أن يوقف ملاحقة الأمن له، فضلاً عن أنه استهدف أن يصبح مصدر أمان لضحاياه، ليمارس نشاطه في أمان، وإن تنازل عن ثروة فقد جمع أضعافها من فاعلي الخير، في الداخل والخارج!
وقد تذكرت حكايته، عندما تأكدت من أن الصورة المنشورة لعبد الفتاح السيسي وهو يستدبر الكعبة، ليست فوتوشوب، وكنت قد نشرت أنها مزورة، وانتقدت من قاموا بترويجها، قبل أن اكتشف أن مواقع مؤيدة له نشرت الصورة نفسها، منها موقع "مصراوي" المملوك لرجل الأعمال نجيب ساويرس، وموقع "اليوم السابع" الذي تملكه شركة الأجهزة الأمنية "إعلام المصريين"، فهل وقعت هذه المواقع ضحية لمنصات التواصل الاجتماعي؟
بعد قليل وقفت على أن الصورة منشورة على الصفحة الموثقة لعبد الفتاح السيسي على تويتر، فذكرني هذا بقصة اللص التائب، وإذا كنت لا أستبعد تدين السيسي، فإن هذه الصورة ذكرتني باللص التائب، فقط في الجانب الخاص بخشوعه أمام الكاميرا، واستقباله لها!
عبد الفتاح السيسي كان إذن يستقبل الكاميرا وليس الكعبة، ولهذا أعتذر عن منشور كتبته أقول فيه إن الصورة فوتوشوب، فلم أصدق أبداً أن السيسي يمكن أن يعطي القبلة ظهره وهو يرفع يديه بالدعاء.
حتى في التمثيل "فاشل"!
أضف تعليقك