• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانيتين

بقلم: وائل قنديل

كل قمة لا تكون فلسطين موضوعها الرئيس لا يمكن أن تكون قمة عربية. كل قمة لا ينطلق الداعون إليها وحاضروها من أن عدو العرب هو الكيان الصهيوني لا يصح أن توصف بأنها قمة عربية. كل قمة تطرب لها إسرائيل، وترضى عنها أميركا، من العيب أن تسمّى قمة عربية.

في أبريل/ نيسان من العام الماضي، دعت السعودية إلى ما سمّيت "قمة عربية" في مدينة الظهران بالمنطقة الشرقية، اختار لها عاهل السعودية اسم قمة القدس، غير أن القدس لم تكن سوى تلك الوردة في عروة جاكيت النظام العربي الرسمي، المندفع بمنتهى التهور نحو تدفئة العلاقة مع العدو الصهيوني، مجرّد يافطة أنيقة تخفي وراءها الموضوعات الأساسية التي أرادتها السعودية، وتوابعها، من القمة، وعلى رأسها: مواجهة ما أسمته الخطر الإيراني، ثم مواجهة خطر الشعوب العربية، إذ نصّت الفقرة الثانية في البيان الختامي، بصراحة تغلب الوقاحة، على أهمية تعزيز التعاون العربي المشترك "المبني على منهجية واضحة وأسس متينة تحمي أمتنا من الأخطار المحدقة بها، وتعيد الأمل للشعوب العربية"التي عانت من ويلات الربيع العربي، وما تبعه من أحداثٍ وتحولاتٍ، كان لها الأثر البالغ في إنهاك جسد الأمة الضعيف ونأت بها عن التطلع لمستقبل مشرق".

أما الموضوع الفلسطيني، والصراع مع العدو الصهيوني، فقد حسمته صحيفة الرياض، الناطقة باسم النظام السعودي، في مقال استبق عقد المؤتمر، ذهب فيه صاحبه، وهو نائب رئيس التحرير، إلى إنه إذا حضر الماء بطل التيمم، ثم أكمل في العنوان "قمة الظهران.. سلام مع إسرائيل ومواجهة مع إيران"، ولخص القصة كلها في عباراتٍ شديدة الوضوح، كان نصها "اليوم لا خيار أمام العرب سوى المصالحة مع إسرائيل، وتوقيع اتفاقية سلام شاملة، والتفرّغ لمواجهة المشروع الإيراني في المنطقة، وبرنامجها النووي، ووضع حد لتدخلاتها في الشؤون العربية، وهو خيار لا يقبل أي تبرير أو تأخير، أو حتى مساوماتٍ ومزايداتٍ على القضية الفلسطينية؛ لأن إيران تشكّل تهديداً مباشراً على الكل".

قيل كلام كثير في ذلك الوقت عن أن الكاتب لا يمثل إلا نفسه، ولا يعبر عن الإدارة السعودية، غير أن الأحداث والوقائع التالية لعقد قمة الظهران، تكشف أن منظومة العواصم العربية بقيادة الرياض، خلال عام كامل، لم تفعل سوى ما نادى به المقال، من السعي إلى كسب رضا العدو الإسرائيلي، والكفاح من أجل زيادة العداء مع الجار الإيراني، والتوسل للجانب الأميركي أن يشعل نار حربٍ على إيران، لا تبقي ولا تذر.. وفي مسارٍ موازٍ، استكمال الحرب الوحشية على ما بقي من ملامح الموجة الأولى للربيع العربي في 2011، وتوجيه المدافع ضد بشائر موجة جديدة من الربيع، انطلقت في كل من الجزائر والسودان، والعمل على قتلها في مهدها، وتحويلها إلى نسخ من السيناريوهات الكابوسية التي فرضها التحالف المعادي للثورات في مصر وسورية وليبيا واليمن.

ونحن في منتصف 2019، تعاود السعودية الدعوة إلى "لعبة القمم" فتطلب عقد قمتين، عربية وخليجية، على هامش قمة إسلامية، في مكة، الموضوع الأساس فيها رصّ الصفوف ضد إيران، على وقع التلويح بمواجهة أميركية - إيرانية شاملة، بدأت صيحاتها في التراجع والخفوت، فيما لا يزال "عرب اعتدال" المندفعون نحو إسرائيل يمنّون النفس باندلاع الحرب على طهران.

وكما قلت لك في السابق، فإن "اعتدال" دراما واقعية، من تأليف بنيامين نتنياهو، وضع خطوطها في الرابع من أغسطس/ آب 2014، حين زف إلى العالم بشرى خروج تشكّل "حلف إقليمي جديد"، يجمع إسرائيل ودولاً عربية باتت تُعرف بأنها "معسكر الاعتدال" لمواجهة إيران، ثم جرى إشهارها برعاية دونالد ترامب في احتفال أسطوري حول البلورة السحرية في الرياض قبل عامين.

هي إذن "قمة نتنياهو"، أو الجيل الرابع من القمة العربية التي لا تتحدّث العربية.

أضف تعليقك