بقلم.. عبد الرحمن يوسف
تتواتر أخبار صفقة القرن.. تسريبات لا تسرّ إلا صهاينة العرب. إنهم يكيدون كيدا، يخططون للإجهاز على القضية الفلسطينية. صحيح أن القضية في قلوب الشعوب، ولكن الوضع على الأرض لا يتحمل مزيدا من الضغط على الشعب الفلسطيني لكي يقبل مزيدا من التنازلات.. تلك التنازلات التي دائما تُرفض شعبيا، ولا تمر إلا بخيانات الحكام، وعلى جثث المقاومين، وبقتل وتشريد آلاف الضحايا الأبرياء.
من أجل إتمام هذه الصفقة لا بد من تذليل العقبات، والحقيقة أن هناك عقبات كثيرة، كل مواطن عربي يعتبر عقبة في طريق هذه الصفقة.
لذلك ستجد كثيرا من الأحداث تمر بالمنطقة في وقت واحد.. حاملات طائرات تهدد إيران مع تراجع عن تنفيذ الاتفاق النووي، تهديدات وضغوط على المملكة الأردنية، تحريك للمدعو "حفتر" باتجاه طرابلس، محاولات لإدراج الإخوان المسلمين ضمن الجماعات الإرهابية (في أمريكا).. إنها بلدوزرات تهيئ الأرض للبناء الجديد الذي سيشيد طبقا لمخطط صففة القرن.
حاملات طائرات تهدد إيران مع تراجع عن تنفيذ الاتفاق النووي، تهديدات وضغوط على المملكة الأردنية، تحريك للمدعو "حفتر" باتجاه طرابلس، محاولات لإدراج الإخوان المسلمين ضمن الجماعات الإرهابية
السيد "ترامب" يتعامل بمنطق "وسّع يا جدع"، وإذا تلكأ أحد في إفساح الطريق فإنه يسلط عليه مناشير "ابن سلمان"، أو صواريخ "حفتر"، أو مرتزقة "ابن زايد"، ثم يصرخ بعدها "يا أرض اتهدي، ما عليكي قدي"!
ولكن الأيام دول، والوضع في المنطقة كلها قلق.. أيام مبارك، والقذافي، وبوتفليقة، والبشير، وعلي عبد الله صالح.. هذه الأيام انتهت، ونحن الآن في عصر تتحرك فيه الجماهير وتخرب حسابات كثيرة.
سيقول البعض إن حركة الجماهير (حتى الآن) لم ينتج عنها سوى المزيد من المكاسب للأمريكان ولأعداء الأمة، وهذا صحيح على المدى القصير، ولكن فكرة أن يصبح الناس رقما في المعادلة.. هذه الفكرة في حد ذاتها مقلقة جدا لكل الذين يريدون إتمام صفقة القرن، وعلى رأسهم حلف الفجار من صهاينة العرب.
فكرة أن يصبح الناس رقما في المعادلة.. هذه الفكرة في حد ذاتها مقلقة جدا لكل الذين يريدون إتمام صفقة القرن
كيف تريد الأنظمة أن يتعامل الناس مع صفقة القرن؟
الحقيقة أن السيد "عائض القرني" قد كفانا عناء شرح ذلك.. إن المطلوب من كل من له علاقة بالشأن العام، بل من كل مواطن فلسطيني أو عربي، أن يكونوا مثل هذا "القرني"، بشكل أو بآخر.
ولكن.. ما معنى أن تكون "عائض القرني"؟
المعنى واضح..
أولا: أن تكون إنسانا مزيفا..
فكما سرق السيد "قرني" كتبه كلّها أو جلّها، لا بد أن تكون أنت أيضا، سارقا، شخصا مزيفا، يظهر غير ما يبطن، يترزق ويتاجر بمبادئه (دينا كانت أو وطنية).
ثانيا : أن تكون نذلا..
فتأكل على موائد تلك الدولة اليوم، ثم تسبها وتصفها بكل الموبقات غدا!
تتنكر لأصدقاء عمرك، فتغمز فيهم وتلمز وهم أسرى في السجون؛ لا يملكون أن يردوا!
تروي أحداث التاريخ بهواك، فتحول الاحتفاء بك إلى محاولة للتجنيد، وتحول إتاحة المنابر لك لتدافع عن بلدك إلى محاولة لتوجيهك لقول شيء معين!
ثالثا: أن تكون صفيقا..
ليست المشكلة أنه قد تراجع، بل هناك مشكلة في صيغة التراجع نفسها. هناك ملاحظتان مهمتان على خطاب التراجع، فنلاحظ أن السيد "قرْني" لم يتراجع عن فكرة معينة من أفكاره، بل تراجع عن المنهج وكل ما نتج عنه، لقد تنازل عن الجمل بما حمل.
السيد "قرْني" لم يتراجع عن فكرة معينة من أفكاره، بل تراجع عن المنهج وكل ما نتج عنه، لقد تنازل عن الجمل بما حمل
يلومه الناس على ذلك قائلين: "كيف تتراجع عن كتبك التي قرأها ملايين البشر؟"، وحين تأملت في ذلك لم أجد بأسا، فما المؤلم في أن يتنازل شخص عن كتبه ما دامت كلها مسروقة أصلا!
الملاحظة الثانية: أنه حين تراجع عن تلك الأفكار "المتشددة"، لم يذكر لنا ما هي الأفكار "التقدمية" البديلة!
أستطيع أن أفهم تراجع أي شخص عن أي فكرة، ولكنه مطالب بأن يشرح ما هي الفكرة الصحيحة التي اكتشف بها بطلان فكرته الأولى.. أما السيد "قرْني"، فإنه لم يتراجع عن فكرته لصالح فكرة، بل تراجع عن فكرة لصالح "شخص"، فهو قد منح شيكا على بياض، أو ورقة تنازل، أو توكيلا للسيد "ابن سلمان"، وبمقتضى هذا الشيك أو التنازل أو التوكيل أصبح من حق ولي العهد أن يضع توقيع السيد "قرْني" على أي شيء يراه إسلاما وسطيا، أي أنه منح سفاحا متمرسا حق تفسير الإسلام الوسطي، دون حق الاعتراض!
السيد "قرْني"، فإنه لم يتراجع عن فكرته لصالح فكرة، بل تراجع عن فكرة لصالح "شخص"، فهو قد منح شيكا على بياض، أو ورقة تنازل، أو توكيلا للسيد "ابن سلمان"
لقد عقدت الأنظمة "صفقة القرْن" مع أمريكا وإسرائيل، وهي خيانة تضاف إلى سلسلة الخيانات التي لا نعرف أولها من آخرها.
وعقد البعض مع هؤلاء الحكام الخونة "صفقة القرْني"، وهي وصفة معروفة، يكون بمقتضاها دور المثقف، ورجل الدين، والسياسي، أن يرقص للقرد في دولته.
لقد سقطت أقنعة كثيرة، وظهر لنا من يعض على مبادئه (أيا كانت) بالنواجذ، ومن يتاجر بها ويترزق، وظهر لنا هؤلاء الذين لا يبالون لو أحرقوا العالم كله من أجل أحقاد صغيرة، أو من أجل منافسة تافهة، وظهر لنا هؤلاء الذين إذا قالوا صدقوا، وإذا صدقوا فعلوا، وإذا فعلوا أخلصوا!
صدق الشاعر حين قال:
جَزَى اللهُ الشَّدَائِدَ كُلَّ خَيْرٍ وَإِنْ كَانَتْ تُغَصِّصُنِي بِرِيقِي
وَمَا شُكْرِي لَهَا حَمْداً وَلَكِنْ عَرَفْتُ بِهَا عَدُوِّي مِنْ صَدِيقِي!
أضف تعليقك