بقلم: خليل العناني
ليس مفاجئاً أن يخرج الداعية السعودي، عائض القرني، بتصريح يعتذر فيه عن أفكاره ومواقفه السابقة، وعن دوره في ما تعرف بحركة الصحوة. ولكن المفاجئ هو أن هناك من فاجأه تصريح القرني، وأن تعتبره وسائل الإعلام سبقاً إعلامياً، أو حدثاً يستحق الجدل والمتابعة.
فتصريح الرجل لا يمكن أخذه على محمل الجدية، ولا يجب أن يحتل ما احتله من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد اعتدنا، طيلة الفترة الماضية، على مثل هذه التصريحات التي يطلقها رجال دين وثقافة وسياسة وفن ورياضة، ممن يسعون إلى تقديم فروض الولاء والطاعة للسلطة السياسية، والتقرّب منها بمزيد من الانبطاح واستجداء الرضى، رغباً أو رهباً.
لم يكن القرني يتحدث للجمهور العادي عندما أطلق تصريحه المشار إليه، وإنما ما يهمه أن يراه وأن يسمعه شخص واحد فقط، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي يراقب كل همساته وحركاته.
ولذا لم يكن غريباً أن يقرن القرني اعتذاره المزعوم بترويج الإسلام الذي يتبنّاه بن سلمان. وكأن الأخير يبشّر (نبي) بدين جديد في جزيرة العرب!
تصريح القرني سبقته تصريحاتٌ لشيوخ ودعاة ورجال دين اختاروا الاصطفاف إلى جانب بن سلمان، وتبرير أفعاله، كما فعل إمام الحرم المكي، عبد الرحمن السديس، الذي اعتبر بن سلمان "محدّثا ملهما"، في إحدى خطبه في الحرم بعد أسابيع قليلة من اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي وقتله، وكذلك تصريحات الداعية محمد العريفي، وإمام الحرم السابق عادل الكلباني الذي كتب أبياتا شعرية في مديح بن سلمان!
وبالعودة إلى ما قاله القرني بخصوص علاقته بتيار الصحوة، وهو حركة إسلامية غير مؤطّرة، كان لها تأثير مهم في الثمانينيات والتسعينيات، قبل أن يتراجع تأثيرها بعد أحداث "11 سبتمبر" في العام 2001، واعتذاره نيابة عنها للشعب السعودي، بسبب ما يقوله، لتشدد آرائها ومخالفتها الكتاب والسنة، فإن الرجل لا يتبرأ فقط من ماضيه، ودوره الذي كان سببا في شهرته بين الناس، وإنما أيضا من أقرانه الذين كانوا يوما ضمن هذا التيار، مثل الشيوخ، سفر الحوالي وسلمان العودة وناصر العمر. وكثيرون منهم وراء القضبان حاليا.
ولعله من الشجاعة، إذا كان القرني محقا في توبته ومراجعاته، أن يشرح للجمهور العلاقة بين بعض رموز وشيوخ تيار الصحوة والدولة السعودية، خصوصا في الثمانينيات والتسعينيات، وعن دور المخابرات الأمريكية في استخدامهم خلال الصراع مع المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي السابق في أفغانستان. وكذلك أن يخبر جمهوره بالدعم الذي ناله التيار من بعض الأجنحة داخل الأسرة الحاكمة، لمواجهة ما كان يسمّى وقتها التيار الليبرالي. وأن معاركه التي خاضها مع هذا التيار كانت تتم تحت إشراف المؤسسة الملكية.
ولو أن القرني صادق في اعتذاره لاعتذر أيضا للشباب السعودي الذي غرّر به، وشجعه على الالتحاق بالتيارات المتشدّدة، وذلك باعترافه، كما أنه أيضا متواطئٌ في جرائمهم التي ارتكبوها باسم الدين، ويجب أن يُحاكم على تصريحاته وفتاواه التي ربما تسببت في سقوط ضحايا أبرياء.
ولعل الحسنة الوحيدة في تصريح القرني هي نهاية السلطة الرمزية لرجال الدين، وإسقاط الهيبة عن شخوصهم، والتخلص من سلطانهم الروحي على أتباعهم، وتحرير العلاقة بين الفرد وربه، بحيث تصبح علاقة مباشرة من دون وسيط يتاجر بالنص، ويقلّبه حسبما يشاء، ووفق رغبات السلطان. وهو أمر ليس جديدا على الثقافة الإسلامية، فشيوخ السلطان الذين يوظفون الدين لخدمة رغبات الحكام موجودون منذ الدولة الأموية، وشعارهم الأثير "مات الملك، عاش الملك".
أضف تعليقك