بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين
أيها الإخوان، تحيةً من عند الله مباركة طيبة، وبعد..
فقد أقبل رمضان، شهر العبادة والإنابة، واستروحت نفوس المؤمنين نسائمه الطيبة، فاستعدت للقاء بالنية الصالحة والنشاط الجمّ، وتهيَّأت لصيام نهاره وقيام ليله بما ألفت في عبادتها من إيمان واحتساب وحق على الإخوان المسلمين أن يتنافسوا في مرضاة الله، وأن ينتهزوا هذه الفرصة المتاحة لتزكية قلوبهم، ومغفرة ذنوبهم؛ فقد روى الطبراني عن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أتاكم رمضان، شهر بركة يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة، ويحط الخطايا، ويستجيب فيه الدعاء، وينظر فيه إلى تنافسكم في الخير، ويباهي بكم ملائكته فأروا الله من أنفسكم خيرًا، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عز وجل".
والصوم عبادة تقترن بنعم جليلة، يخطئ مَن يحسبها تعذيبًا للبدن بالجوع والسهر، وإرهاقًا للعباد بالحرمان والتضييق.. فالحقيقة أنها تدعيم لروح الإنسان، وتخليص لها من ضغط الحاجات الدائمة والشهوات المتطلعة، وتغليب لإرادة الخير وتدريب على السموّ والفضيلة والاستعفاف، وتذكير المرء بأصله السماوي الرفيع، وسياج يحصّنه من وساوس الهوى ومكايد الشيطان.
ولذلك ختمت آيات الصيام بتوكيد المنح المطوية في هذه الطاعة الكريمة.. ﴿يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (البقرة: من الآية 185).
إن الله عن تعذيب عباده لغنيٌّ، وما شرع الصوم تعذيبًا لأحد، بل شرعه دواء لما يعرض للناس من علل نفسيه، وهو إكبار للنفس الإنسانية بتدريبها على الانتصار على الحاجات والأهواء، فهو نعمة تتطلب الشكران.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم كلما همَّ بغزوةٍ أو عملٍ ذي بال يحتاج إلى الصبر والاحتمال.
ولما كان العبد - وهو فارغ من شهوات بدنه مشغول بعبادة ربه - يعدُّ في أزكى أجوائه وأرجاها بالقبول؛ فإن الدعاء يُستحبُّ منه، وتعرُّضه لنفحات الله مرجوُّ العاقبة، وفي الحديث "للصائم دعوة لا ترد" و"ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، والمظلوم.."، ولعل الروحانية المشرقة الخالصة التي يصل الصائم إليها في إبّان عبادته هي التي تجعل دعاءه بهذه المكانة الكريمة.
ولعل ذلك أيضًا سر إدخال آية الدعاء وسط أحكام الصيام الواردة في سورة البقرة، فبين تفاصيل التعلق بفروع هذه الفريضة في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)﴾ (البقرة).
وإذا قرأتم القرآن فاقرءوه بتدبر وإمعان، وإذا استمعتم إليه فاستمعوا لكي تفهموا ثم تعملوا به؛ فإن بركة القرآن في العمل به والسير على ما أمر الله من أحكامه، ولا خيرَ لأحدكم في أن يقرأ دون أن يتدبر أو يسمع دون أن يتفهم.
أيها الإخوان..
في هذه الأيام التي يودع المسلمون فيها أحداثًا ويستقبلون أخرى، ويواجهون في مشارق الأرض ومغاربها فتنًا متلاحقةً من تألُّب الخصوم ومكر السياسات.. نضرع إلى ربِّ العالمين أن ينجينا من النار، وأن يحشرنا مع الأبرار.. ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ (آل عمران: من الآية 147 )، والله أكبر ولله الحمد.
أضف تعليقك