بقلم: وائل قنديل
أطل زعيم تنظيم داعش، أبو بكر البغدادي، بعد كمون ست سنوات، فحدث الآتي:
(1): المجلس العسكري في السودان يتنمّر، ويكشّر عن أنيابه، ويظهر وجهًا جديدًا، كليًا، بمواجهة مطالب الثورة، لتبدأ مرحلة تمهيد التربة لزراعة الثورة المضادة، من خلال البدء في إعلان السلطات العسكرية شكاية الثورة للشعب، والتي تعقبها مرحلة "نحن ننقذ الشعب من الثورة الطائشة" التي تغلق الكباري، وتوقف حركة القطارات، وتعطّل عجلة الإنتاج، بهدف استعداء الكتلة الساكنة من الجماهير على الثورة، وصولًا إلى غرس النخيل العسكري، وتثبيته في التربة السياسية، لينتهي الأمر بالسودان، وقد تم إخضاعه لعصر البلح، على الطريقة المصرية.
في ذلك تقول بعض المعلومات المتاحة عن "الجنرال حميدتي" إنه الرجل الأقوى، والأخطر على ثورة السودان، إذ قدّم نفسه للقوى الغربية أنه ذلك العسكري الشرس الذي يؤمّن الحدود السودانية الليبية، ويوفر خدمات، من المنبع، لحماية شمال المتوسط من موجات المهاجرين المتسللين عبر الشواطئ الليبية، وبعبارة واحدة: جنرال يجمع مواصفات عبد الفتاح السيسي وخليفة حفتر، معًا.
(2): تنقل صحيفة نيويورك تايمز عن مصادر البيت الأبيض أن ترامب بصدد تصنيف الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، استجابة لطلب السيسي في زيارته أخيرا إلى واشنطن، بالتزامن مع عودة تاجر البيت الأبيض إلى استحلاب العرش السعودي، مجددًا، وفقًا لمعادلة: ادفع كي تستمر على العرش.
(3): الرئيس الفرنسي المهووس بالإسلاموفوبيا، إيمانويل ماكرون، يستأنف طلعاته العنصرية ضد الإسلام السياسي في كل مكان على ظهر الأرض.
(4): ذئاب الثورات المضادة تزداد شراسة في الاحتشاد مع خليفة حفتر، لافتراس العاصمة الليبية طرابلس، والإجهاز نهائيًا على محاولات استنقاذ ليبيا من براثن المشروع الإقليمي، المسنود من تجار الحرب على الإرهاب، الدوليين، الساعين إلى تقاسم كعكة النفط والثروات الليبية.
(5): وضع تركيا على لائحة الاستهداف الداعشي، بعد إظهارها موقفًا مساندًا لحكومة الوفاق الممثلة للشرعية في ليبيا.
(6): اتجاه إلى إغلاق ملف الجريمة الإرهابية البشعة التي استهدفت مسجد نيوزيلاندا، وإعلان أن المجرم الإرهابي الذي ارتكب المذبحة مختلٌّ عقليًا، بعد ساعات من إعلان البغدادي مسؤولية تنظيم الدولة الإسلامية عن الجرائم الشنيعة التي استهدفت كنائس ومنتجعات في سريلانكا.
من أجل الوصول إلى هذا المناخ الصاخب، جرت عملية استدعاء زعيم "داعش"، البغدادي العائد إلى الظهور بعد سنوات ست من السكوت، وبعد أسابيع من إعلان شهبندر تجار الحرب على الإرهاب، دونالد ترامب، إنه يزفّ للعالم بشرى القضاء على "داعش" بشكل نهائي.
يتم استحضار "داعش"، على طريقة استمطار السحب، من أجل ري محصول "الحرب على الإرهاب"، هذا المفتاح السحري لاستنزاف الخزائن ورسم الخرائط وإحكام السيطرة على العروش والجيوش، في تلك المنطقة من العالم التي لا يزال الأوروبيون والأميركيون ينظرون إليها بوصفها منبع أنهار العسل واللبن.
هل بقي شكٌّ في أن الدواعش اختراع حصري للقوى الطامعة في استعمار مجاني لشعوب المنطقة، من خلال نوعيةٍ من الحكام لا شرعية لهم سوى حراسة مطامح ومطامع السيد الشمالي الأبيض؟.
ثمّة قناعة عندي بأن حكامًا من نوعية ترامب، وماكرون، وبوتين، وتوابعهم، بمختلف الأحجام، مثل السيسي وبشار الأسد وخليفة حفتر، لا يستطيعون البقاء بغير "داعش"، ولا يمكنهم الاستغناء عن الصديق الأوفى، والحليف المثالي، أبو بكر البغدادي، صاحب الفضل الأول في إنعاش سوق الثورات المضادة، والقضاء على أية محاولة من الشعوب للانعتاق من عبودية حضارية وتاريخية راسخة، جاءت ثورات الربيع العربي محاولة للتحرّر منها.
وكما سجلت مبكرًا، قبل أربع سنوات، يبقى "داعش" هو إله الثورات المضادة عند المستبدين والطغاة، ذلك أنّ الاستثمار ذا العوائد الكبيرة في مشروع "الحرب على داعش" تجاوز مسألة غسيل الأيدي من الدماء، وغسيل السمعة من القتل، وغسيل التاريخ من المجازر، وإسقاط الديون والجرائم.. تجاوز ذلك إلى محاولة الحصول على أرباحٍ إضافية، تتمثل في مواراة ما تبقى من ملامح للربيع العربي، الثرى.
والحال كذلك، لن أستغرب إذا كشف التاريخ بعد عقود أن زعيم "داعش" كان يتناول الكرواسون في فطوره بالأليزيه، ويتغدى بالهامبرجر في البيت الأبيض.
أضف تعليقك