أكدت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية أن المحتجين في كل من الجزائر والسودان - الذين ساعدوا في الإطاحة بالرؤساء - يخشون ألا يسلم قادة الجيش السلطة للمدنيين، لاسيما في ظل مخاوفهم من التجربة المصرية.
ففي الجزائر، وافق رئيس أركان الجيش أحمد قايد صالح بتردد في "توجيه رصاصة الرحمة إلى الرئيس المعزول عبد العزيز بوتفليقة الذي حكم البلاد لحوالي ثلاثة عقود".
وفي السودان، أكد الفريق محمد حمدان المعروف "حميدتي" -الذي كان رئيسا لقوات الدعم السريع قبل أن يصبح نائبا لقائد المجلس العسكري الانتقالي بعد عزل عمر البشير- أنه رفض طلبا من البشير بنشر قواته وفض الاحتجاجات ضد حكمه مهما كلف الأمر، وفق ما صرح به حميدتي بمؤتمر صحفي.
لكن الصحيفة البريطانية تتساءل: ماذا بعد؟ مشيرة إلى اعتقاد البعض في كلا البلدين أنه من الصعب على العسكر الذين أطاحوا بالحكام أن يسلموا السلطة بكل بساطة للمدنيين.
ورأت فايننشال تايمز أن ثمة اعتقادا واسعا في الجزائر بأن قوات الجيش مدفوعة بالحفاظ على النظام أكثر من أي رغبة في تفكيك نظام سلطة قائم منذ استقلال البلاد عن فرنسا عام 1962.
وحتى في السودان -حيث يجري العسكر مفاوضات مع المدنيين بشأن الترتيبات السياسية- يخشى العديد من أن الجنرالات قد يتراجعون إذا لم يتم انتقال ديمقراطي سريع للسلطة.
ويقول الصحفي السوداني عثمان ميرغني في إشارة إلى المحتجين "لدينا النفوذ لأن لدينا الناس في الشارع" مضيفا "إذا انسحب المحتجون من الساحات، فإن الجيش لن يتحدث إلينا".
ونوهت الصحيفة إلى أن المفارقة -بالنسبة للجماعات الموالية للديمقراطية- أن تحقيق أهداف المعتصمين يتطلب التفاوض مع العسكر الذين أطاحوا بالنظام.
وشددت على أن المحتجين بكل من الجزائر والسودان يعرفون جيدًا ما حدث في مصر بعد الإطاحة بحسني مبارك وسيطرة الجيش على المرحلة الانتقالية التالية، لافتة إلى أن التجربة الديمقراطية المعيبة والفوضوية التي أعقبت ذلك لم تستمر طويلا بسبب الانقلاب العسكري الذي ظهر فيه عبد الفتاح السيسي كزعيم مستبد جديد.
فالمحتجون في السودان والجزائر حملوا في اعتصاماتهم لافتات كتب عليها "لا للنتيجة المصرية" في إشارة إلى سيطرة السيسي الذي انقلب على محمد مرسي الرئيس المنتخب ديمقراطيا.
فيما قال الصحفي الجزائري عبد شريف إنه من الصعب إقصاء العسكر كليا من السياسة، في ظل غياب المعارضة التقليدية المنظمة، والمؤسسات معطلة.
وتقول فايننشال تايمز إن المحتجين بكلا البلدين لديهم بعض النفوذ، فالعسكر يترددون في قتل الناس، منوهة إلى أن القوات المسلحة بالسودان قدمت تنازلات للمطالب الشعبية فاستبدلت أول قائد للمجلس العسكري بعد 24 ساعة من تعيينه وأقصت ثلاثة آخرين مقربين من النظام السابق.
وهناك ديناميكية شبيهة بالجزائر -حيث يرفض الجيش تكرار أزمة 1988 حين قتل مئات المدنيين- أقل بكثير عام 1992 عندما ألغى الانتخابات لمنع الحزب الإسلامي من الوصول إلى السلطة، مما فجر حربا أهلية قتل فيها مائة ألف شخص.
وفي الوقت نفسه، فإن الجيش الجزائري لا يثق بالساسة المدنيين، ويخشى من فراغ السلطة حيث تغيب المعارضة المنظمة بسبب تهميش الأحزاب فترة طويلة.
أضف تعليقك