• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

مقال.. عبد الرحمن يوسف

بعد تزوير استفتاء التعديات الدستورية، اتضح بطلان ما جرى من أوله لآخره، (لن أتحدث عن بطلان الانقلاب وما ترتب عليه، بل سأتحدث عن الاستفتاء فقط)، بداية من صيغة بطاقات الاستفتاء ذاتها، وصولا إلى جميع إجراءات تصويت المواطنين وفرز اللجان في داخل مصر وخارجها. بل إن عملية نشر نتائج الاستفتاء في الجريدة الرسمية قد شابها البطلان، فموعد النشر يفهم منه أنه كان قبل موعد إعلان النتائج رسميا من اللجنة المزعومة المختصة.

لقد تم إرهاب آلاف المواطنين لكي يدلوا بأصواتهم، وكانت الرشى تقدم علنا للمصوتين.. لقد اختطفت مصر لكي تمنح اللقطة للدكتاتور التافه.

* * *

أغرب ما حدث بعد الاستفتاء أمران، الأمر الأول: استمرار النزاع الغريب حول كيفية التعامل مع الاستفتاء، هل نقاطع؟ أم نصوت بلا؟

فترى كل فريق يدلل على أن رأيه الصواب بما يشاء من أدلة، وكل ذلك لا بأس به لو جرى في إطار نقاش حر من طرفين عاقلين، ولكن ما جرى كان للأسف تخوينا وسبّا من الطرفين، وكأننا نحاول أن نخدم الاستبداد إلى آخر نفس.

الأمر الثاني، هو أن بعض الزملاء يحاول أن يبني بعض التحركات بناء على بعض النتائج المعلنة من لجنة الاستفتاء التي أعلنت النتيجة المزورة.

هذه اللجنة أعلنت أن عدد الأصوات التي قالت "لا" يقترب من ثلاثة ملايين مواطن، والبعض يحاول أن يبني على ذلك تحركا ما، يجمع هذه الأصوات ويستثمرها في عمل سياسي.

والحقيقة، أن تصديق هذا الرقم يقتضي منا أن نصدق الأرقام الأخرى، أي لا بد أن نصدق أن عدد الذين أدلوا بأصواتهم كانوا أكثر من 27 مليون مواطن مصري (شبح)!

إن تصديق هذا الهراء يقتضي أن نصدق أن الرافضين للنظام "أقلية"!

والحقيقة التي لا تقبل الشك، أن جميع هذه الأرقام مصطنعة، وأن الشعب المصري غالبيته العظمى ضد هذا الاستبداد البذيء الذي يحكم بالحديد والنار. ولسنا في انتظار هذه اللجنة لكي نكتشف أن هناك ثلاثة ملايين مواطن يرفضون هذه التعديلات... الحقيقة التي لا شك فيها، أن الغالبية الكاسحة من المصريين ترفض نظام الحكم الحالي، وتراه نموذجا للخيانة والفساد.

* * *

أهم ما حدث في هذا الاستفتاء هو حملة باطل، التي تمكنت من جمع ما يقرب من 700 ألف صوت، برغم حجب موقع الحملة مرات ومرات.

هذه الحملة نموذج في العمل الوطني المشترك، ونموذج في كيفية "إدارة الخلاف السياسي".

والحملة لا بد أن يستمر القائمون عليها في العمل؛ لأن كلمة "باطل" لا تعني بطلان الاستفتاء، بل هي أعمق وأوسع وأكبر من ذلك بكثير، فكل ما يجري في مصر اليوم باطل، ومواجهته بعمل مشترك هو عين الحق، ولا حق سواه.

إن كشف هذا الباطل، وجمع الناس من أجل مقاومته، وتوحيد المختلفين لإسقاطه هو واجب الوقت، وعلى كل الشرفاء أن يشاركوا في هذا الواجب كلٌّ بما يستطيع.

* * *

من أسوأ ما جرى خلال الاستفتاء؛ التطاول على الشعب!

رأينا كثيرا من التعليقات التي تسب الشعب المصري الذي قبل الرشى الانتخابية، وتصف الشعب بأنه شعب عبيد لا يستحق سوى الاستبداد.

الحقيقة، أن هذه التعليقات لا تدرك حجم المعاناة التي وصل لها هؤلاء المواطنون المطحونون المقهورون، كما أنها تتناسى بطولات هؤلاء البسطاء، كما أنها تتعامى عن مسؤولية النخب في الوصول إلى الوضع الذي نحن فيه اليوم.

هؤلاء البسطاء هم من شاركناهم الحلم، هم من سالت دماؤهم في ميادين التحرير، والعباسية، ورابعة، والنهضة!

هم من واجهوا الجِمال في معركة الجمل، ومن واجهوا الخرطوش بعيونهم في محمد محمود، ومن وقفوا أمام الدبابات بعد الانقلاب!

هؤلاء الذين نصفهم اليوم بالجهل والغفلة والقابلية للاستعباد كالقطيع.. هم من انتخبوا الثورة في جميع الاستحقاقات الانتخابية، وأسقطوا الفلول دون قانون للعزل!

هؤلاء هم ضحايا خلافاتنا السياسية التافهة، تلك الخلافات التي تسببت في سقوطهم في قبضة حكم العسكر مرة أخرى، مما اضطرهم للوقوف في طابور الأسرى من أجل كرتونة!

* * *

أصدرت جماعة الإخوان المسلمين (المكتب العام) بيانا بعد إعلان نتائج الاستفتاء، وهذه المجموعة التي أصدرت البيان ليست المجموعة التي تصف نفسها بـ"القيادة التاريخية" للجماعة، بل هي المجموعة المنشقة عنها. وخلاصة البيان، دعوة لكل قوى الثورة للتوحد أمام النظام لإسقاطه، وتلافي الخلافات التي أدت إلى الوضع المزري الذي نحن فيه.

موجة الاستنكار التي تلت صدور البيان كانت ضخمة، والبعض اتهم مصدري البيان بالرغبة في ركوب الحدث، مع اتهامات أخرى عديدة.

المجموعة التي أصدرت البيان كانت تدعو لاصطفاف قوى الثورة قبل الاستفتاء، ودعت له بعد الاستفتاء، وهم يدعون لهذا الاصطفاف منذ سنوات طوال، ولست أفهم بالضبط ما المشكلة في البيان الذي صدر؟ ولم أدرك أيضا ما المشكلة في توقيت صدور البيان؟

إن المبالغة في التحسّس المبالغ فيه من الخصوم، أو من كانوا في وقت ما خصوما، يحولنا إلى كتلة من العنصرية، ولا يستفيد من ذلك أحد سوى "سيسي"!

لو حذفنا كلمة "الإخوان المسلمين" من البيان ووضعنا "الاشتراكيون الثوريون"، أو "محمد البرادعي"، أو "حركة 6 إبريل" لسكتت غالبية الأصوات المعارضة، ذلك أن البيان ليس فيه كلمة واحدة مختلف عليها.

* * *

كلمة أخيرة: لقد أظهر الاستفتاء سوءة النظام وضعفه، وأظهر أن التوحد ممكن إذا صدقت النوايا، وأولى بكل الشرفاء أن يقوموا بواجبهم وأن يجتمعوا على كلمة سواء، قبل أن يلعننا التاريخ جميعا، وقبل أن نستحي من النظر في وجوه أبنائنا.

اللهم إني قد بلغت... اللهم فاشهد!

أضف تعليقك