بقلم سيف الدين عبد الفتاح
من المهم أن نؤكد أن معركة التعديات الدستورية، والتي خاضها بعض الشباب من خلال حملات عدة توجت بحملة "باطل" التي أوجعت النظام الفاشي للسيسي، ما أدى إلى ملاحقة هذه الحملة للتصويت المستقل حتى حجبت المواقع التي يتم عليها التصويت فيما يقرب من عشر مرات.. كان ذلك يؤكد أن النظام لم يكن في حالة سعة؛ وكأنه يصول ويجول في ملعب استخفافه بعموم الناس، خاصة بعد أن قام بتعدياته الدستورية وعلى رأسه طاغيته، وهو الذي لم يلتزم يوما بأي دستور ولا بأي نصوص، بل كانت دائما مهمته وحرفته العبث بالدستور، في إطار حل محل أي قاعدة أو أي دستور، وفق هواه وما يتصور أن طغيانه لا يقوم إلا عليه..
هكذا، ظل النظام الانقلابي يعبر عن هذه الحال من التزييف بما قام به من عمليات تزوير متراكمة، في أكبر عملية يقودها المستبد لتمرير وتزوير إرادة الشعب بما يتفق مع تورم استبداده وامتداد استخفافه. وإذا كان هذا النظام قد عهدنا عليه الغدر والكذب، فإنه يتوج مسيرته تلك بعمليات تزوير متتابعة فاجعة فاضحة؛ توضح كيف أن هذا النظام قد وصل إلى أعلى مراحل طغيانه وأقصى حالات استخفاف.
تجمعت كل المشاهد في عمليات تزوير متتابعة، بعضها قبل الاستفتاء وبعضها مع الاستفتاء، وليواصل حركة تزويره ليمارسه حتى بعد انقضاء أيام الاستفتاء. ورغم أن القاصي والداني قد شهد ما اتسمت به العملية الاستفتائية من ضعف الإقبال، رغم تلك المهرجانات الزائفة من رقص وطبل وزمر أريد بها أن يُزيف مجمل المشهد الاستفتائي ليواصل النظام الفاشي عمليات تغريره وتمريره وتزويره، فإن التعديلات في ذاتها إنما تشكل عملية تزوير كبرى.. تزوير في النصوص والصياغات، وتزوير حتى في دور المؤسسات، وتزوير لكل العمليات التي صاحبت هذه التعديات الدستورية، والتي تجعل من السيسي أكبر فاشي مر في تاريخ العسكر، ليعبر عن حالة من الاستخفاف منقطعة النظير؛ من إخراج عبثي للمشهد الذي يتعلق بالتأبيد والتمديد على نحو فج، لا يقبله عقل أو منطق، ولا يمكن أن تقبله المبادئ الدستورية والقواعد الحاكمة لأي نصوص.
كانت التعديلات تزويرا حتى في العقد الذي جاء بالسيسي في انتخابات رئاسية هزلية إلى سدة الحكم. ورغم التزوير الذي طال تلك الانتخابات الرئاسية، إلا أنه واصل عمليات التزوير المستمرة والمتراكمة، فجعل مدته تطول لمدة عامين آخرين، فتصير المدة ست سنوات بعد أن كانت أربعة، ويطبق ذلك بأثر رجعي، في انتهاك خطير وفاضح لمبدأ قانوني معتبر وأكيد يؤكد على عدم رجعية القوانين، فما بالك بالدستور.
ومن المؤسف حقا أن يكون رئيس البرلمان المزوَر شخص مزوِر، فلا يمكن أن يمت للعمل القانوني بصلة ولا القواعد الدستورية بأي معنى يشي بالفهم لماهية الدستور أو أهمية نصوصه. إن هذا المزوِر الذي يتحرى الكذب ليتناقض في كلامه وتصريحاته ما بين التعديل أو عدم التعديل، يعود ليقود بعد ذلك مهزلة التعديات الدستورية، وكأنه لا يمت لمجال القانون بصلة، ولا يعرف أي معنى حقيقي للدستور ووظيفته ودوره، وربما لا يملك إلا أن ينافق سيده، فهو يعلن، بل ويقسم أن تلك التعديات كانت باقتراح من البرلمان من غير معرفة أو طلب من السيسي الفاشي.. من يصدق هذا الرجل وقد عهدنا عليه الكذب الصراح والافتراء لديه مباح؟ بل إنه مزور يقود برلمانا مزورا وضمن عملية اختطاف المؤسسات، يختطف البرلمان ذاته حتى في تكوينه وانتخاباته، ويقوم بالدور الأخطر في عملية تزوير كبرى لمصلحة المستبد الطاغية، في عملية حشد مقززة وضمن عمليات دنيئة بعضها من بعض؛ أسماها بالحوار المجتمعي، ولم تكن إلا خوارا ليس له من معنى إلا أن يكون تغطية زائفة لتزييف مفاهيم وعمليات مثل "التعديل" ومثل "الحوار".
وجاءت تلك التعديات لتعبر عن حالة خطيرة في تزييف وتزوير كل شيء، فكانت تلك التعديات ليست إلا تزويرا على دستور مزور من بطانة مزورة؛ حشدت الأمور كلها في مجال تعديات وتعديلات مزورة. سترى هذا التزوير من المنبع الذي لا يقيم وزنا للدستور ولا يحترم نصوصا، ولكنه يعبث بكل هذه الكلمات فيه. لمَ لا وقد عبث بكل مقدرات الوطن، وتنازل عن أرضه، وفرط في موارده، واستخف بعموم الناس، فقتل واعتقل وطارد؟
فإذا كان هذا هو التزوير من المنبع، فكيف كان التزوير في المجرى إلا باعتباره خطة قميئة وحقيرة استخدم فيها رجال الأعمال ومن يدعون أنهم إعلاميون، والجهاز الإداري برمته؟ فها هي البلطجة على كل صاحب عمل أو محل ليكتب يافطة تقول لتعدياته نعم، ضمن عمليات تزوير إجبارية فاضحة وتزييف قسري فاضح؛ يعتبر مؤشرا عن كيف يمكن أن تٌجري أنظمة فاشية واستبدادية ودولة بوليسية فاشلة عمليات انتخابية أو استفتائية.
أكثر من ذلك، فإن التصويت الذي استمر لمدة ثلاث أيام قد حفل بمشاهد فاضحة في عمليات التصويت، بما يشير إلى التصويت المرتشي والرشاوى التصويتية من "كراتين غذائية"، حتى أسماها البعض تندرا على صفحات التواصل الاجتماعي "غزوة الكراتين". وهذه المشاهد لو رصدت وحصرت لفاضت بالزيف والبهتان، وغمرت أجواء مصر بالتغرير والتزوير. وها هو واحد من تلك المشاهد.. يشكو أحدهم بأنه ذهب ليقول نعم ولم يأخذ أي كرتونة وهو لا يزال ينتظر الكراتين! ما هذا بحق السماء إلا أن يكون عبثا وهزلا يمارس في إطار عمليات إعلانية ودعائية؛ من إعلاميين وبعض المشايخ الذين لا يستحقون هذا الاسم بل يستحقون كل إثم فيتحدثون عن أن "صوتك أمانة" و"اعمل الصح". أي "أمانة" تلك أو "صحة" يمكن أن تكون في ظل عمليات تزوير واسعة لإرادة الناس وأصواتهم، وضمن رشاوى فاضحة يقوم بها النظام وزبانيته؟ وحينما انكشف المستور وكتبت الصحف الغربية عن هذا المشهد الساخر الهزلي، قالوا إن من قام بهذا حزب يدين بالموالاة للإخوان! تزوير بعده تزوير، يعقبه تزوير أكبر لعالم أحداث لا يمكن أن يتم إلا ضمن نظام فاشي واستبدادي.
وها هي حركة التزوير مستمرة بنقل الموظفين والعمال إلى مقار اللجان، قهرا وقسرا، بل والقبض على الناس في الشوارع وسحب بطاقاتهم وسوقهم سوقا إلى مقار الانتخابات والاستفتاء، حتى يقوم هؤلاء بالتصويت القسري الذي لا يعبر عن حالة تزوير فحسب، بل هو تزوير تحت التهديد. وها هي مواكب ومهرجانات لتنصب موالد استفتاء السيسي لإجراء سحب على جوائز أمام اللجان الانتخابية، أو سحب على عمرات غير مقبولة بالتأكيد، فلا لبيك ولا سعديك أيها المزور أو القادم إلى بيت الله بالتزوير. كل هذا يتم على عين النظام وتدبيره، حتى نصل إلى التزوير في المصب، فنرى ذلك في مشهد إعلان النتائج الذي سوف يكون مزورا بمقدماته وتمهيداته ونهاياته. فمن زور في المنبع وفي المجرى لا ينتج إلا تزويرا وتزييفا في المصب.. إنه نظام مزوَر، ومزوِر باطل وقاتل.
أضف تعليقك