في مطلع القرن التاسع عشر، كان الناس لا يستسيغون الماء النقي ولا يطلبونه إلا إذا بلغ بهم العطش مبلغا. ويقول فينسينت بريسنيتز، المزارع النمساوي الذي توصل إلى طريقة للعلاج بشرب الماء: "لا يشرب الماء الصافي إلا من يعيشون في فقر مدقع".
لكن الأمور تغيرت الآن، إذ زاد الإقبال على شرب الماء في السنوات الأخيرة بفضل الرسائل التي أمطرنا بها الخبراء عن فوائد تناول لترات من المياه يوميا للحفاظ على الصحة ونضارة البشرة ومد الجسم بالطاقة وإنقاص الوزن وحتى الوقاية من السرطان.
ويُنصح الناس بحمل قوارير المياه، ويوصَى الأطفال بشرب الماء أثناء الحصص الدراسية، ونادرًا ما تخلو طاولات الاجتماعات من زجاجات الماء.
ولعل السبب وراء ذلك يعود إلى القاعدة التي راجت في الآونة الأخيرة والتي تحث الناس على تناول ثمانية أكواب من المياه يوميا سعة كل منها 240 مليلترًا، أي ما يعادل لترين يوميا، بالإضافة إلى أي مشروبات أخرى.
إلا أن هذه "القاعدة" لا يؤيدها أي دليل علمي، ولا تنصح أي أدلة إرشادية رسمية بشرب هذه الكميات من الماء، وربما يكون مصدرها تأويلا خطأً لإرشادات من عقود مضت.
وأوصت لجنة الأغذية الأمريكية بالمجلس الوطني للأبحاث، في عام 1945، بشرب ميلليلتر واحد من السوائل مقابل كل سعر حراري نستهلكه من الطعام، وهذا يعادل لترين للنساء اللائي يستهلكن 2000 سعر حراري يوميا، ولترين ونصفًا من المياه للرجال الذين يستهلكون 2500 سعر حراري. وتشمل السوائل معظم أنواع المشروبات، وكذلك الخضروات والفاكهة التي تشكل المياه ما يصل إلى 98 في المائة من وزنها.
يقول هيو مونتغومري، مدير قسم الأبحاث بمعهد الرياضة والتمارين الرياضية والصحة في لندن، تعليقا على حرص البعض على حمل قوارير المياه أينما ذهبوا خوفا من الجفاف: "إن الكمية القصوى من العرق الذي قد يفرزها الجسم في أشد البيئات حرارة هي لتران في الساعة. فما جدوى حمل 500 مليليتر من الماء في رحلة لا تتعدى 20 دقيقة؟! إذ يستحيل أن ترتفع حرارة جسمك إلى الحد الذي يجعلك تعرق بهذا المعدل".
وتوصي أدلة هيئة الخدمات الصحية الوطنية بالمملكة المتحدة بشرب ما بين ستة وثمانية أكواب من السوائل يوميا، وهذا يشمل اللبن والشاي والقهوة.
وتنبه ديفي إلى أن كبار السن أكثر عرضة للإصابة بالجفاف مقارنة بالشباب، لأن إحساسنا بالعطش يقل كلما تقدم بنا العمر. ولهذا ينصح المسنّون بشرب السوائل باستمرار لتعويض الجسم عما يفقده من سوائل.
ويجمع الخبراء على أن احتياج الجسم للسوائل يختلف باختلاف العمر وحجم الجسم والبيئة والمجهود البدني.
ويرفض معظم الخبراء الالتزام بشرب كمية معينة من المياه يوميا؛ لأن الجسم سينبهنا إلى نقص المياه في الجسم عندما نشعر بالعطش.
أضف تعليقك