• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

 وائل قنديل

يجلس عبد الفتاح السيسي بين يدي دونالد ترامب، يسأله الأخير: ماذا يحدث عندك في مصر، هل حقًا تريد إعادة تفصيل الدستور على مقاساتك الخاصة؟ يرد السيسي، وقد صار وجهه بلون البلح الأحمر: سيدي الرئيس، لست أنا من طلبت تعديل الدستور، بل هو الشعب.. لو ذهبت إلى القاهرة الآن لن تجد على حوائط  الشوارع، والمواصلات العامة والسيارات الخاصة، سوى لافتة من مطلب شعبي واحد: نريد تعديل الدستور من أجل الأمان والاستقرار.

يباغته ترامب: لكن أعضاء الكونغرس عندنا يزعمون إن كل هذا مزيف، وإن هناك معارضة واسعة للذهاب نحو تغيير الدستور.

السيسي: نعم سيدي، وتلك هي الديمقراطية التي تعلمناها منكم.. لدينا معركةٌ ساخنةٌ مفتوحةٌ لكل الآراء والاتجاهات، فهناك من يرفض، ومن يوافق، ومن يقاطع ويتحفظ، والكل يعبر عن رأيه بمنتهى الوضوح والشفافية، حتى أعداء الوطن الهاربين في الخارج يعارضون بصخب، في وسائل إعلامهم وعلى "السوشيال ميديا"، يقولون لا ويحشدون الجماهير للتصويت ضد التعديلات، بل إنهم وصلوا إلى الكونغرس هنا، وعرضوا كل ما لديهم، أليست هذه الديمقراطية سيدي؟.

ينهي ترامب الحوار بابتسامةٍ عريضة: ألم أقل من قبل إنك قاتل لعين؟.

هنا يخرج السيسي منتشيًا، بعد أن نال رضا أستاذه ومرجعه ومصدر قوته ساكن البيت الأبيض.

لا يمكنك هنا أن تلوم السيسي، فهو في يقينه يعلم أنه لا توجد معركة، ومن ثم لا ميدان لهذه المعركة، فما يريد تمريره سيمر، وكما قلت سابقًا كل ما يعنيهم في هذا الكرنفال الماجن صورة مصنوعة بحرفيةٍ شديدةٍ لصفوف المقترعين أمام اللجان، وطوابير المحتشدين في عرس الطاغية، ومعها عنوانٌ عريض: المصريون اختاروا الاستقرار والبناء بأغلبية كاسحة، تمامًا مثل الصورة التي أعقبت الانتخاب بين السيسي وحمدين صباحي، ثم بين السيسي وموسى مصطفى موسى، مع مراعاة فروق الأدوار بين الشخصين اللذين قاما بوظيفة المنافس أو الخصم الذي انتصر عليه الزعيم.

تبقى المشكلة في هؤلاء الذين لا يبخلون على السيسي بتكملة ديكورات المسرح، ويحقّقون مبتغاه في تصوير موضوع مبتذل إلى ما يشبه معركة حامية الوطيس.

المشكلة فيمن أحرقوا الصندوق حتى تفحم، ثم يطالبونك بالتفكير خارج الصندوق. يتحدثون ثورة، ويمارسون صفقةً بصفاقة، يسخرون من ذي الشرعية القانونية والأخلاقية والثورية، ثم يحدّثونك بمنتهى الجدية والصرامة عن أهمية إقامة سياج من التوقير والاحترام حول معركة ساقطة، اسمها تعديلات السيسي الدستورية.

أنت لم تحترم الدستور المُستفتى عليه، بعد معركة توفرت لها كل عناصر الاحترام والجدية والندية والنزاهة في 2012، وقبلها لم تحترم إرادة الناس وأصواتهم الانتخابية، وحشدت لإحراق المرحلة بأخضرها ويابسها، وكنتَ جسرًا لعبورٍ مسروقٍ فوق نهرٍ من الدماء.

بأي وجهٍ يمكن أن تقنع الناس بأنك تحترم إرادتهم وأصواتهم الآن، وأنت تدعوهم إلى المشاركة في جريمة تعديلات دستور القتلة العابرين فوق دماء الذين اعتصموا دفاعًا عن إرادتهم، وتمسكًا بحقهم في أن يكون الانتخاب الحر سبيلًا وحيدًا لانتقال السلطة وتداولها؟.

ارتياد أماكن العبث هو عبث أشد، لا مردود له سوى إهدار القيمة واغتيال المعنى، سواء قلت لا أو قلت نعم، لأن النتيجة الوحيدة للذهاب هي تحويل الجريمة إلى معركةٍ متكافئةٍ بين طرفين، أو سجال بين متنافسين طبيعيين.

لا يختلف الأمر، في ظني، عن أولئك الظرفاء، باسم المهنية والموضوعية، الذين يشتبكون مع معلقين صهاينة يمارسون فحيحًا وينثرون سمومًا فوق شاشات تلفزةٍ عربية، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.. إذ يستوي في هذه الحالة أن تناقش صهيونيًا أو تسبّه، أن تنتقده بعنف أو تحاوره بأدب، ففي كل الأحوال هو الرابح وأنت الخاسر، لأن معركته ليست إثبات صحة ما يطرحه من مقولاتٍ مسمومة أو تفنيدها، بل هدفه النهائي والوحيد هو استدراجك إلى حلبة المناقشات والمحاورات، وبعبارة واحدة: أن تتعامل معه ندًا طبيعيًا في مناظرة منطقية، وليس محتلًا غاصبًا سرق جغرافيتك وتاريخك.. هو يريدك معه، وجهًا لوحه، أو كتفًا بكتف على مائدة التطبيع.

وهكذا تبدو المسألة في لعبة تعديل السيسي دستوره، يقولون لك: هيا بنا نلعب مع الجنرال على أرضية "30 يونيو"، ونمنحها الجدارة، ونمعن في تجميل وجه الجريمة الأساسية.. هيا بنا نسقط المسار الذي جاء بمحمد مرسي رئيسًا للمرة الثالثة.

أضف تعليقك