رغم العلاقة الحميمية التي تجمع نظام الانقلاب بقيادة السفاح عبد الفتاح السيسي والاحتلال الصهيوني، إلا أن المصريين لم ينسوا عدوهم الحقيقي، في الذكرى التاسعة والأربعين لمذبحة مدرسة بحر البقر الابتدائية، حين قصفت طائرات "الشبح" الصهيونية المدرسة في مركز الحسينية بمحافظة الشرقية، وراح ضحيتها 30 تلميذاً.
وبرر الاحتلال الصهيوني، تلك الجريمة بأنه كان يستهدف أهدافا عسكرية فقط، وأن المدرسة كانت منشأة عسكرية مخفية، بينما نددت مصر بالحادث واتهمت الاحتلال بأنه شن الهجوم عمدا بهدف الضغط عليها لوقف إطلاق النار في حرب الاستنزاف.
واستقبل المجتمع الدولي الحادث باستنكار شديد، و تسبب الحادث فى إجبار الولايات المتحدة ورئيسها نيكسون على تأجيل صفقة إمداد الاحتلال بطائرات حديثة، كما أدى الحادث إلى تخفيف الغارات الصهيونية على المواقع المصرية.
وكان أحمد على الدميرى، 57 عاما، أحد تلاميذ المدرسة وعاش رعب القصف وشاهد الموت بعينيه ونجا منه بأعجوبة، يروى حكايته قائلاً: وقتها كنت فى الصف الثانى الابتدائى، كان عندى 7 سنوات وأتذكر جيدا ما حدث كأنه اليوم، كانت الحصة الأولى فى تمام التاسعة صباحا و20 دقيقة، وكانت حصة حساب والأستاذ كان اسمه محمد وهو من الشرقية وأستشهد مع باقى زملائى.
وأضاف، بحسب الأهرام: "كنت أجلس فى الفصل بجانب صديقى أحمد عبدالعال السيد، وفجأة شعرنا بهزة شديدة ترج المدرسة كأنه زلزال فسقط قلمى الرصاص أسفل «التختة» فنزلت أسفل المنضدة للبحث عنه، وفى اللحظة نفسها وقع علينا سقف المدرسة ولم أشعر بنفسى غير بعدها بـ 25 يوماً وأنا راقد على سرير فى مستشفى الحسينية العام وبجواري أمى وأبى والعشرات من زملائى المصابين.
وتابع: "عرفت بعدها أن زملائى الذين كنت قبل الحادث بثوانى أتناول معهم الإفطار خرجوا من أسفل الأنقاض أشلاء، وحكى لى والدى أن الجثث والمصابين كانوا يضعون على جرار زراعى فوق بعضهم والدم يتساقط كالشلال".
وأشار إلى أنه "رغم أنني والحمد لله نجوت ولكننى مازلت أعانى صحيا بسبب كسور فى الجمجمة، وكل عام فى يوم 8 أبريل تتجدد حالة الحزن والسواد فلا يوجد بيت فى القرية لم يكن له تلميذ مصاب أو شهيد فى مدرسة "بحر البقر".
فيما أكد الحاج عبد العال السيد من مواليد 1914 أن ابنه "أحمد" كان وحيداً على 5 بنات وأنجبه وعمره 50 عاما، رغم معاناته من أمراض الشيخوخة وشلل فى جانبه الأيسر وضعف السمع.
لكن ذاكرته قوية وتحتفظ بكل تفاصيل ما حدث يوم 8 أبريل 1970، يقول: قبل الحادث بيوم الولد كان يبكى ولا يريد أن يذهب للمدرسة مرة أخرى، سألته عن السبب فقال أن أحد زملائه يضربه ليأخذ منه قلمه، فقلت له أننى سأذهب معه فى اليوم التالي لأشكو للمدرس، وفعلا ذهبت به للمدرسة واشتريت له قلماً جديدا ثم شكوت للمدرس ومشيت".
وأضاف: "بعد أقل من 300 متر سمعت صوت طيارتين ووقفت مرعوباً لأنهما على ارتفاع منخفض جداً، وشاهدت بعينى الصواريخ وهى تضرب المدرسة وتقتل ابنى وزملاءه، وأنا أجرى فى اتجاه المدرسة اصطدمت بعامود خشبى وأغرقت الدماء وجهى، ومثل بقية الأهالي نبشت بيدى بين الأنقاض معهم وفى النهاية عثرت على ابنى الله يرحمه".
وأردف: "رغم أن العمر أمتد بى وشاهدت كل من حولى وهم يغادرون واحداً بعد الآخر.. لكننى لم أشعر بمرارة الفراق مثلما حدث مع أحمد لأنه مقتول غدرا وبلا ذنب".
أضف تعليقك