بقلم ممدوح الولي
كشفت بيانات ميزان المدفوعات المصري للعام الماضي الميلادي العديد من الظواهر التي لحقت بالاقتصاد المصري عام 2018، وأبرزها تحول مشتريات الأجانب لأذون وسندات الخزانة المصرية المكثفة خلال عام 2017 إلى مبيعات .
مما دفع البنك المركزي المصري للمزيد من الاقتراض لتعويض ذلك، وللدفاع عن استقرار سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي، والنتيجة زيادة القروض الأجنبية بنحو 13.7 مليار جنيه بالعام الماضي ليصل مجملها إلى 96.6 مليار دولار .
كما استمر صافي الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر في التراجع للعام الثاني، على التوالي بعد تعويم الجنيه المصري أواخر عام 2016، وهو الأمر الذي كان من المفترض أن يزيد من الاستثمارات الأجنبية، نظرا لرخص الأصول المصرية بالنسبة للأجانب بعد خفض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار بنسبة كبيرة .
كذلك زيادة قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة الخارجة من مصر، بالعام الماضي عن مستواها بالأعوام الثلاثة السابقة، وبما يقترب من أرقام الخروج في الفترة التالية لتولي الجيش السلطة عام 2013، وهو ما يدعو للربط بين زيادة خروج تلك الاستثمارات المباشرة والأوضاع السياسية التي تزداد انسدادا، فلا يمكن أن يكون خروج الاستثمارات الأجنبية بنوعيها المباشرة وغير المباشرة بالعام الماضي قد جاء صدفة .
والميزان الكلي للمدفوعات يوازن بين قيمة العملات الأجنبية الداخلة لأي بلد من كافة الموارد، شاملة الصادرات السلعية والخدمية وتحويلات العاملين والمعونات والاستثمارات الأجنبية بنوعيها والقروض وغيرها، وبين قيمة العملات الأجنبية الخارجة من البلد في صورة مدفوعات للواردات السلعية والخدمية وسداد أقساط وفوائد الديون وفوائد استثمارات الأجانب بالبلد وغيرها .
انخفاض إجمالي الموارد بالعام الماضي
وبالعام الماضي بلغ إجمالي موارد النقد الأجنبي 112.7 مليار دولار، بينما بلغت المدفوعات 107.3 مليار دولار، ليسفر الميزان الكلى للمدفوعات عن فائض بلغ 5.4 مليار دولار، إلا أنه فائض غير حقيقي نظرا لتضمن الموارد 21.5 مليار دولار فى صورة قروض وودائع أجنبية، وبما يشير إلى أنه بدون تلك القروض فسوف يسفر الميزان الكلي للمدفوعات عن عجز حقيقي أكثر من 16 مليار دولار .
كما يلاحظ انخفاض موارد النقد الأجنبي بالعام الماضي عما تحقق بالعام الأسبق، رغم زيادة القروض بالعام الماضي إلى 21.5 مليار دولار مقابل 12 مليار دولار بالعام الأسبق، كذلك انخفض الفائض بالميزان الكلى للمدفوعات بالعام الماضي رغم زيادة القروض به إلى 5.4 مليار دولار، مقابل 12.3 مليار دولار بالعام الأسبق، بسبب مشتريات الأجانب لأذون وسندات والخزانة خلال العام الأسبق بقيمة 23.8 مليار دولار .
وداخل الميزان الكلى للمدفوعات توجد العديد من الموازين الفرعية أهمها الميزان التجاري السلعي، الذي يقيس الفرق بين قيمة الصادرات السلعية والواردات السلعية، وهو الميزان الذي يعاني بمصر من العجز المزمن منذ سنوات طويلة، مما يضغط على سعر صرف الجنيه المصري ويدفعه للتراجع المستمر أمام الدولار الأمريكي .
وبالعام الماضي بلغ العجز بالميزان التجاري السلعي حوالي 38 مليار دولار، مما جعل هذا العجز الكبير يكاد يوازي الفائض بالميزان التجاري الخدمي البالغ 13 مليار دولار، والذي يتضمن حصيلة السياحة وقناة السويس وخدمات النقل وغيرها من الخدمات، وكذلك تحويلات العاملين المصريين بالخارج والمعونات الأجنبية البالغة 25.5 مليار دولار .
إلا أن وجود عجز مزمن أيضا بميزان فوائد الاستثمار بلغ 7 مليار دولار، قد تسبب في وجود عجز بميزان المعاملات الجارية، الذي يتضمن الموازين الفرعية الأربعة: التجاري والخدمي وفوائد الاستثمار والتحويلات بنحو 6.3 مليار دولار .
الصادرات أقل من 10 سنوات سابقة
ومن الموازين الفرعية التفصيلية الأخرى التي حققت عجزا بالعام الماضي، الميزان البترولي الذي يقارن بين قيمة صادرات البترول الخام والمشتقات وبين الواردات منها، وميزان دخل الاستثمار الذي يقارن بين قيمة المدفوعات للاستثمارات الأجنبية بمصر والفوائد المحصلة من استثمارات المصريين بالخارج، وكذلك ميزان الخدمات الأخرى بخلاف السياحة والنقل، وميزان المتحصلات والمدفوعات الحكومية .
ورغم تحقيق الميزان السياحي فائضا بين موارد السياحة الداخلة البالغة 11.6 مليار دولار ومدفوعات السياحة الخارجة من مصر والبالغة 2.7 مليار دولار، إلا أنه قد لوحظ انخفاض الإيرادات السياحية بالربع الأخير من العام الماضي، نتيجة أحداث مقتل سائح وزوجته بأحد فنادق الغردقة ومقتل سياح قرب منطقة الأهرامات .
وكذلك مع تحقيق تحويلات المصريين بالخارج النصيب الأكبر من موارد النقد الأجنبي بنحو 25 مليار دولار، فقد لوحظ انخفاض قيمة تلك التحويلات بالنصف الثاني من العام الماضي بالمقارنة بنفس الفترة من العام الأسبق بنسبة 7%، بسبب تشجيع الدول الخليجية تشغيل مواطنيها وفرض المزيد من الرسوم على الوافدين.
وإذا كانت الصادرات السلعية قد زادت إلى 28 مليار دولار، إلا أن معدلات زيادتها لا تتسق مع نسب الخفض التي لحقت بالجنيه المصري نتيجة تعويمه، وجعلها أكثر رخصا بالنسبة للأجانب، كما أنها رغم زيادتها مازالت أقل مما كانت عليه قبل عشر سنوات، حين اقتربت من الثلاثين مليارا من الدولارات عام 2008 .
وإذا كانت إيرادات قناة السويس قد زادت بالعام الماضي إلى أقل من 6 مليارات دولار، فمازالت تقل كثيرا عما تم الإعلان عنه عند حفر التفريعة التي افتتحت عام 2015، حين أعلن وقتها عن توقع بلوغ إيراداتها عام 2018 نحو 8.2 مليار دولار .
جفاف المعونات الخليجية والأجنبية
ورغم تحسن قيمة المعونات بالعام الماضي عن السنوات الثلاثة السابقة، ببلوغ قيمتها 301 مليون دولار مقابل أقل من 150 مليونا بتلك السنوات الثلاث، إلا أن النصيب النسبي لتلك المعونات من إجمالي الموارد كان أقل من نصف بالمائة، كما أن معظم تلك المعونات من الولايات المتحدة .
مما يشير إلى جفاف المعونات الخليجية التي ارتفعت خلال عامي 2013 و2014 عقب استيلاء الجيش على السلطة، حتى بلغت 8.3 مليار دولار عام 2014 .
وهكذا أسفر التوزيع النسبي لموارد النقد الأجنبي بالعام الماضي، عن تصدر تحويلات العاملين بالخارج بنسبة 22% والقروض 19%، والصادرات السلعية غير البترولية 15% الاستثمار والأجنبي المباشر الداخل 12% والسياحة 10%
والصادرات البترولية أقل من 10% وقناة السويس 5% وخدمات النقل 2.5%، والخدمات الأخرى بخلاف السياحة والنقل 2% والمتحصلات من فوائد استثمارات المصريين بالخارج1%، والمتحصلات من الخدمات التي تؤديها القنصليات المصرية بالخارج 1% .
وعلى جانب المدفوعات تظل قيمة الواردات السلعية البترولية وغير البترولية صاحبة النصيب الأكبر من المدفوعات طوال السنوات الماضية، لكنه أضيف لها منذ سنوات أربعة بنود كبيرة القيمة أولها مدفوعات سداد أقساط وفوائد الدين الخارجي والتي بلغت 12.5 مليار دولار، وثانيها مدفوعات فوائد استثمارات الأجانب بمصر والتي بلغت حوالي 8 مليارات دولار بالعام الماضي .
وثالثها الاستثمارات الأجنبية الخارجة من مصر والتي بلغت 6.4 مليار دولار، ورابع ها المدفوعات الخدمية الأخرى بخلاف السياحة والنقل والتي بلغت 5.4 مليار دولار بالعام الماضي، إضافة إلى مدفوعات السياحة الخارجة من مصر وخدمات النقل المدفوعة، والمصروفات الحكومية والاستثمار المباشر بالخارج واستثمار الحافظة بالبورصات الخارجية .
أضف تعليقك