• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

بقلم: خليل العناني

 

قدّم الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، استقالته بعد ستة أسابيع من حراكٍ جماهيريٍّ ضخم ومتواصل، شمل الجزائر بكل أطيافها، ومن أقصاها إلى أدناها، بسبب ترشحه لعهدة رئاسية خامسة قبل أن يتراجع، ثم يستقيل. وفي رسالة وجهها إلى مواطنيه الجزائريين، طلب بوتفليقة منهم "السماح والمعذرة والصفح عن كل تقصير"، وذلك حسبما نشرت "العربي الجديد". وهو خطاب يذكرنا بخطاب الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، والشهير بخطاب "الآن فهمتكم"، والذي وجهه بعد اندلاع التظاهرات في تونس أواخر عام 2010، كما أنه أيضا يذكّر بآخر خطاب للرئيس المصري المخلوع، حسني مبارك، في الأول من فبراير/شباط 2011، حين ترجّى المصريين أن يصبروا عليه حتى تنتهي فترته الرئاسية، احتراماً لتاريخه وتضحياته!

هكذا يتوسل الطغاة الرحمة من شعوبهم، وذلك بعد عقود من القمع والقهر والفساد، كانت فيها الشعوب تتوسّل الحرية والإصلاح، ولكنها لم تكن تجد سوى الصدّ والرفض، فكان الخروج إلى الشوارع والميادين الحل الأخير. وكم فوّت الطغاة من فرصٍ للخروج من السلطة بشكل مشرّف، وأن يوفروا على أنفسهم، وعلى بلادهم ومجتمعاتهم، متاعب ومشكلات وأزمات كثيرة. وكان في مقدورهم أن يخلّدوا أسماءهم في ذاكرة شعوبهم إذا ما قبلوا القيام بالحد الأدنى من إصلاحات سياسية حقيقية بشكل تدريجي، مثلما حدث في بلدان أخرى كثيرة، شهدت انتقالاً ديمقراطياً سلساً وناجعاً، وذلك بدلاً من أن تلعنهم شعوبهم.

لو كان مبارك قد استجاب لمطالب الإصلاح السياسي التي بدأت في الظهور والارتفاع أوائل الألفية الجديدة، لما انتهى به الحال مكروها مذموماً ومسجوناً، وذلك بعد ثلاثة عقود قضاها في السلطة. ولو كان بن علي قد استمع لنداءات شعبه ونخبه بالتغيير، لما هرب من بلاده بعد أيام من خروج المظاهرات في الشوارع والميادين. ولو حافظ العقيد الليبي معمر القذافي على إنجازه (هكذا يصوّرونه!) بإلغاء النظام الملكي السنوسي في ليبيا أواخر الستينيات، لما قتله أبناء شعبه، ومثلّوا بجثته، ودفنوها سراً في مكان مجهول. ولو توقف الرئيس اليمني المخلوع، على عبد الله صالح، عن حيله وألاعيبه للالتفاف على مطالب شعبه، وخصوصا الشباب، ولم ينقلب على حلفائه، لما حُملت جثته بعد قتله في عربة مهترئة لما عُثر عليه بين الجبال. ولكنه خمر السلطة الذي يُتوّه العقل ويُذهب الفكر. صحيح أن بعض الطغاة فلتوا من عقاب شعوبهم، ولكنهم سجّلوا أسماءهم في الكتاب الأسود للتاريخ، ويتم الاستشهاد بسيرتهم ليس للاقتداء، وإنما لأخذ العظة والعبرة.

أما المدهش حقاً فهو إصرار بعض الطغاة، المبتدئين والمتمرسين، على السير في الطريق نفسها التي أهلكت من سبقوهم، فتجدهم يحاولون، بكل الطرق، استغفال شعوبهم، أو هكذا يظنون، من أجل البقاء في السلطة، سواء عبر القمع والقتل، أو من خلال التلاعب بالقانون والانقلاب على الدستور، من أجل تمديد فترات الرئاسة والبقاء في السلطة، وذلك مثلما يفعل الآن النظام الحاكم في مصر. أو أن يقوموا بتدمير بلدانهم وتمزيق مجتمعاتهم، استكباراً وعنادا، مثلما فعل، ولا يزال، الرئيس السوري بشار الأسد. أو أن يقسّموا بلدانهم وشعوبهم، هروبا من استحقاق التغيير ومطالبه، مثلما يفعل الرئيس السوداني عمر البشير. وهم بسذاجتهم يعتقدون أن الوقت في صالحهم، وأن القوة التي يتحصّنون بها لن تنتهي، وأن الدعم الذي يحصلون عليه من الخارج لن ينفد. هم أيضا يراهنون على صمت شعوبهم، وقناعتهم بأن الخوف والرعب قد ملأ الصدور، وأن شعوبهم فقدت القدرة على الثورة والانتفاض. وهم في هذا ليسوا فقط مخطئين، وإنما أيضا غارقون في أوهام المِنعة والقوة والخلود الزائف مثلما ظنّ أسلافهم.

أضف تعليقك