• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: أحمد العربي

لا أحد يختلف على أن الحراك الثوري الذي كان مهيبا في أعقاب اندلاع ثورة يناير، والذي كان هادرا عقب انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013، هدأت جذوته، وانطفأت شعلته، وبُح صوته، وكاد أن يختفي تماما من المشهد منذ منتصف عام 2015 وحتى الآن، اللهم إلا بعض الفعاليات الاحتجاجية المحدودة والتقليدية التي تُنظم هنا أو هناك من وقت لآخر، دون أن يسمع أو يشعر بها أحد.

وجاءت حملة "اطمن انت مش لوحدك"، التي أطلقها زميلي وصديقي العزيز معتز مطر قبل نحو شهر، بهدف طمأنة مناصري الثورة أنهم الأغلبية، وأنهم ليسوا بمفردهم، فلم ولن يكونوا لـ"وحدهم" في يوم من الأيام. تأتي الحملة لتعيد الروح إلى جسد ثورة يناير الذي توهم البعض أنه فارق الحياة ولم يعد له أي وجود في دنيانا، حتى أن قائد الانقلاب قال نصا بعدما أخذته العزة بالإثم: "احذروا.. الكلام اللي اتعمل من 7 أو 8 سنين مش هيتكرر تاني في مصر"

حيّت تلك الحملة الوليدة الأمل في نفوس الكثيرين أن الثورة لا تزال بخير، وأنها لا زالت حيّة تقض مضاجع الانقلابيين الخونة، وستؤرقهم أينما ذهبوا وحيثما ارتحلوا. وستظل تطاردهم في كل وقت وحين، حتى في أحلامهم التي تحولت لكوابيس لن يفيقوا منها أبد الدهر إلا وهي جاثمة على صدورهم لتعلن انتصار الثورة ولو بعد حين. 

"اطمن انت مش لوحدك".. تلك الحملة تدعو لعدة فعاليات سلمية آمنة، في ظل حالة القمع غير المسبوقة التي تشهدها مصر، مثل إطلاق الصفارات، والطرق على الأواني، وإطلاق بالونات عليها شعار الحملة وعبارات رافضة للتعديات الدستورية، وإطلاق أبواق السيارات بنغمة متفق عليها، أبدع ما فيها أنها تتخذ مسارات غير تقليدية، ولا تعرض الكثيرين للخطر. وهي تؤكد أن أنصار الثورة عليهم البعد عن التفكير النمطي واللجوء لأفكار من خارج الصندوق؛ فالثورات لا تعرف أساليب بعينها أو أدوات محددة، بل للثورة ألف أسلوب وأسلوب، وأدواتها وآلياتها لا حصر لها.

وأحد أهم أسباب فشل الحراك الثوري الذي اندلع بعد انقلاب السيسي؛ هو إصرار منظمي الحراك على اتباع الأسلوب التقليدي للحراك الاحتجاجي، ومحاولتهم استنساخ سيناريو يناير 2011 بحذافيره. وكان لديهم إصرار غريب وعجيب على ضرورة دخول ميدان التحرير وتوجيه الحشود الهادرة إلى قبلة هذا الميدان، وكأنهم سيرفعون راية النصر بمجرد فتحهم للتحرير، وهذا ما أدى لاستشهاد الكثيرين على مشارف وحول هذا الميدان، على أيدي قوات الجيش والشرطة التي لم تتورع عن سفك الدماء المعصومة.

"اطمن انت مش لوحدك".. فلا يخفى على أحد – حتى الانقلابيين أنفسهم- أن منسوب الوعي زاد بصورة كبيرة جدا عما كان عليه سواء في عقب ثورة يناير أو بعد انقلاب 3 تموز/ يوليو، ومنسوب الغضب يشتعل نارا في صدور المصريين جراء فشل النظام وفاشيته التي فاقت كل الحدود وتجاوزت كل تصور، وهو ما ينبئ بأن الأوضاع لم تعد كما كانت، وأنها يستحيل أن تستمر كثيرا هكذا، وأنه للصبر حدود، ولأي صمت نهاية.

يبقى فقط ترجمة وتحويل هذا الوعي والغضب إلى فعل وحركة في الشارع؛ لأنه بدون تنظيم وتفعيل هذا الوعي والغضب إلى فعل وحركة احتجاجية لن يكون لهذا الوعي والغضب قيمة، مهما كان هذا الغضب هائلا، ومهما كان هذا الوعي كبيرا جدا.

"اطمن انت مش لوحدك".. لأن حاجز الخوف الذي قام العسكر بتشييده على مدار السنوات الماضية عبر استراتيجية "الصدمة والرعب"، التي تمثلت في ارتكاب العديد من المجازر والانتهاكات بأبشع الصور، ليؤكدوا أن الدماء لا تمثل بالنسبة لهم أي حرمة أو قدسية على الإطلاق. هذا الحاجز الذي ظنوا أنه سيحمي عروشهم وكروشهم إلى الأبد؛ بدأ ينكسر رويدا رويدا.

وقد أحدثت هذه الحملة شرخا ملحوظا في جدار حاجز الخوف الذي أرى أنه يُهدم يوما بعد الآخر، وحين تأتي اللحظة الفارقة والمأمولة سيتم نسفه نسفا، وستخرج الحشود الهادرة عن بكرة أبيها لتطيح بهذا الطغيان وتبيده عن آخره.

"اطمن انت مش لوحدك".. لأن الحراك الذي يحدث بالجزائر والسودان (حال نجاحه) سيكون له عظيم الأثر على جميع أبناء الربيع العربي في مصر وخارجها، ورغم أن البعض يقول إن الثورات لا تنتقل بالعدوى، إلا أنها بكل تأكيد ستكون ملهمة لكل شعوب الدنيا، وخاصة الباحثين عن التحرر من الاستعباد والاستبعاد.  

"اطمن انت مش لوحدك".. لأن حقيقة قائد الانقلاب أصبحت واضحة للجميع في الداخل والخارج، وخداعه المخابراتي لم يعد ينطلي على أي أحد، وأنه مهما أقسم وحلف بالله لن يصدقه أحد بعد الآن، وهو يعلم ذلك جيدا، وقد قال نصا قبل أيام ماضية: "يا ترى يا مصريين هو أنتوا مصدقيني ولا لأ.. طب هأغشكوا ليه؟ طب هأضحك عليكوا ليه؟ طب هأضيعكوا ليه؟"، ما يؤكد أن السيسي نفسه أدرك أن لا أحد يصدقه حاليا.

"اطمن انت مش لوحدك".. لأنه يمكنك أن تخدع بعض الناس لبعض الوقت، لكن لا يمكنك أن تخدع كل الناس طول الوقت.

"اطمن انت مش لوحدك".. لأن لكل شيء نهاية، وأن كل الطغاة والمستبدين حتما إلى زوال، وأن الشعوب وإرادتهم هي الباقية، وأن السيسي مهما طغى وتجبر وظن أن لن يقدر عليه أحد، ستأخذه يد العدالة أخذ عزيز مقتدر؛ فكل باكٍ سيُبكى، وكل ناعٍ سيُنعى، وكل مذخور سيفنى، وكل مذكور سيُنسى، ليس غير الله يبقى، من علا فالله أعلى. وقد آن لهذا الليل أن ينجلي، وآن لهذا القيد أن ينكسر.

"اطمن انت مش لوحدك".. لأن الأوضاع الإقليمية والدولية بدأت تتغير من حولنا، ولا يخفى على أحد أن حجم الدعم والتمويل والتأييد الإقليمي والدولي للسيسي وانقلابه يتراجع وينحسر، وأنهم حتما سيتخلون عنها كما تخلوا كثيرا عن أكابر الطغاة والمستبدين، وسيلقون به في أقرب سلة للقمامة حينما يشعرون أنه أصبح ورقة محروقة لا يمكن التعويل عليها، أو بعدما يقضوا حاجتهم منه ويعدم هو أي شيء يقدمه لهم.

كنت من أوائل الإعلاميين المصريين الذين سارعوا بإعلان دعمهم وتأييدهم لحملة "اطمن انت مش لوحدك"، التي انضم لها قبل أسابيع زميلي الإعلامي الكبير محمد ناصر، ومؤخرا أيدها عالم الفضاء المصري عصام حجي. وقد اتخذت هذا الموقف دون تفكير أو تردد، إيمانا مني بأن للثورة شعب يحميها، وأنه يجب أن يكون هناك إنكار للذات وتراجع للأنا فلا يهم من هو صاحب الدعوة على الإطلاق، بل الأهم النظر في الدعوة ذاتها، وإمكانية التفاعل معها.

وأنا هنا أدعو زملائي الإعلاميين، بل وأدعو كل النشطاء والسياسيين على اختلاف توجهاتهم السياسية، إلى دعم حملة "اطمن انت مش لوحدك" بكافة الصور الممكنة، وعلينا جميعا التفكير معا في كيفية تطوير الحملة التي لا ينبغي أن تذهب أدراج الرياح، كغيرها من الحملات أو الدعوات الأخرى.

وأخيرا.. لا شك في أن ما تمر به مصر من أحداث وتطورات ساخنة تستدعي وقفة حاسمة وجادة من الجميع، ونريد العمل جميعا على إيجاد أفكار خلاقة ومبدعة مهما كانت بسيطة أو محدودة في تأثيرها اليوم، إلا أن آثارها ستكون كبيرة للغاية غدا، وستزلزل عرش الطغيان يوما ما؛ نراه أقرب مما يتصور الطغاة وأعوانهم وأسيادهم.

أضف تعليقك