"لست عضوًا في أية منظمة ولا مجموعة، على الرغم من أنني اتصلت بـ "فرسان المعبد" الجديد للحصول على دعمها للهجوم".
هذا ما كتبه "برينتون تارنت" سفاح "نيوزيلندا" في واحدة من صفحات بيانه الـ 74، الذي برر فيه لمذبحته الدامية صباح الجمعة 15 من مارس/آذار، والتي سقط فيها خمسون قتيلا مسلما وأُصيب آخرون، داخل مسجدين بمدينة "كرايستشيرش" بنيوزيلندا، بعد مهاجمته لهم بسلاحه الآلي وتصوير الهجوم.
فمن هم فرسان المعبد هؤلاء الذين حصل السفاح على دعمهم ومباركتهم لتنفيذ مذبحته ضد المسلمين؟
فرسان المعبد، هو اسم لمنظمة "فرسان مالطة العسكرية"، الدولة اللغز، التي تعترف بها الأمم المتحدة وتمنحها عضويتها، في حين أنه لا وجود لها على خريطة العالم، فهي بلا أرض ولا شعب ولا حكومة، بينما من عجائب القدر، أن دولة مثل فلسطين، عمرها آلاف السنين، لها أرض وحدود، وشعب بالملايين وتاريخ عريض، ومع ذلك لا تحظى باعتراف الأمم المتحدة!
فكيف حدث ذلك؟
قد نفهم انحياز الأمم المتحدة لرغبة أمريكا في استمرار وجود الكيان الصهيوني الغاصب على أرض فلسطين، وطمس الحق الأصيل لأصحاب الأرض الحقيقيين، لكن لماذا الاعتراف بمنظمة عسكرية كدولة؟
الحكاية من أولها:
بدأت جماعة فرسان مالطا عام 1070م، كهيئة خيرية، أسسها بعض التجار الإيطاليين، لرعاية مرضى الحجاج المسيحيين في مستشفى (القديس يوحنا) ببيت المقدس،
إلا انه عندما قامت الحروب الصليبية الأولى 1097م، وتم الاستيلاء على القدس أنشأ رئيس المستشفى "جيرارد دي مارتيز" تنظيماً عسكريا منفصلاً أسماه "رهبان مستشفى القديس يوحنا" وبحكم درايتهم بأحوال البلاد قدموا مساعدات كبيرة للصليبيين، وتورطوا في مجازر بحق المسلمين هناك.
حتى قيل: إن الفضل في بقاء مدينة القدس في يد الصليبيين يعود بالأساس إلى هؤلاء المرتزقة أي "فرسان الهوسبتاليين" ومعهم بالطبع تنظيم "فرسان المعبد".
وبعد هزيمة الصليبيين في موقعة حطين عام 1187م على يد "صلاح الدين الأيوبي" هربوا إلى أوربا، وكان نصيب فرسان الهوسبتالية هو الذهاب إلى قبرص 1291م.
ومن قبرص استمروا في مناوشة المسلمين عن طريق القرصنة ضد سفنهم، ثم قاموا باحتلال جزيرة "رودس" وأخذوها من المسلمين، وفيها ازدادت قوتهم خاصة بعد أن تم حل تنظيم "فرسان المعبد" وآلت بعض ثرواته للهوسبتاليين، لذا فجماعة "فرسان مالطة" ينظر إليها على أنها الوريث الشرعي لتنظيم "فرسان المعبد".
وبعد استيلاء الأتراك المسلمين على "رودس" استسلم الهوسبتاليون وهاجرت فلولهم إلى إسبانيا وإيطاليا، إلى أن منح الملك "شارك كنت" للهوسبتاليين السيادة على جزيرة مالطا في 1530م، ما أدى إلى تغيير اسمهم إلى "النظام السيادي لفرسان مالطا" ومنها جاء اسمهم الحالي.
وبقيام الثورة الفرنسية 1789م، فقد الفرسان الصليبيون ممتلكاتهم في فرنسا وإيطاليا، وانتهى بهم الأمر بفقد مقرهم في جزيرة مالطا نفسها وطردهم منها على يد نابليون،
وفيما بعد قرر كونغرس (فاليتا) عاصمة مالطا إسناد إدارة الجزيرة للإمبراطورية البريطانية، لذا فدولة مالطا الحالية لا علاقة لها مطلقا بفرسان مالطا، وبقي المقر الرئيس للمنظمة في العاصمة الإيطالية "روما"، ويرأس الدولة الأمير البريطاني "فرا أندرو برتي" الذي انتخب عام 1988م، ويلقب بـ "السيد الأكبر" ويقيم في روما ولا تنتهي ولايته إلا بالوفاة، وهو يعامل كرئيس دولة بكامل صلاحيته.
وينص القانون الدولي على سيادة "دولة فرسان مالطا" كما أنها مراقب دائم في المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، وتدار الأنشطة المختلفة للمنظمة عن طريق ستة أديرة رئيسة و47 جمعية وطنية في خمس قارات.
علاقة مع 104 دولة
ومنظمة "فرسان مالطا" ترتبط بعلاقات دبلوماسية مع 104 دول، منهم 16 دولة إسلامية وثماني دول عربية، منها مصر والمغرب وموريتانيا والأردن ولبنان.
ويعود الفضل في إنشاء سفارتهم بمصر إلى "شمعون بيريز" رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق الذي طلب من الرئيس "السادات" إقامة علاقات رسمية مع المنظمة، والمفارقة هنا أن إسرائيل نفسها لا تقيم معها علاقات رسمية.
وقد تأسست سفارة "فرسان مالطا" في العام 1980م، وتقع السفارة داخل مبنى قديم في شارع هدى شعراوي بالقاهرة وغير مسموح بالاقتراب منه، والغريب أن سفيرهم يطلق عليه لقب المستشار العسكري.
ومع أن تنظيم الفرسان اختفت أخباره منذ العصور الاستعمارية القديمة، فإنهم عادوا بقوة في أوائل التسعينيات بعد نهاية الحرب الباردة وانهيار الشيوعية، حيث أصبح الاسلام والمسلمون بدلاً من الشيوعية والشيوعيين الخطر الأكبر على الحضارة البشرية حسب أطروحات الليبرالية الجديدة والتي بشرّ بها "فرانسيس فوكومايا" و "صموئيل هنتنغتون" عن نهاية التاريخ وصراع الحضارات.
حيث أعلنوا أن صداماً لا مفرّ منه قادم بين الإسلام والحضارة الغربية المسيحية ودعوا للتصدي للخطر الجديد "الإسلام" بكافة الطرق ومنها العسكرية.
لذا ففي أوائل ديسمبر/كانون الأول 1990م عقدت منظمات الفرسان الصليبية اجتماعًا في جزيرة مالطا، هو الأول من نوعه، منذ أخرجهم نابليون بونابرت منها، وبلغ عدد الحاضرين حوالي خمسمئة معظمهم من القساوسة، اتفقوا على خلق وجود قوي لهم في العديد من مناطق النزاع العربي الإسلامي تحت غطاء تطوعي تنصيري.
ولذلك فإن منظمات الإغاثة الصليبية في مناطق ملتهبة مثل جنوب السودان كثير منها مرتبط بهم ويقومون بدور كبير في تنصير المسلمين هناك، كما تشكل منظمتهم العنصر الداعم للمتمردين على الحكومات العربية والإسلامية، وكان لهم دور كبير في انفصال جزيرة "تيمور الشرقية" عن "إندونيسيا الإسلامية".
والخطير أن دورهم التنصيري لا ينفصل عن الدور الخيري!
أصابع الاتهام
وفي العراق: حينما سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى تخفيف عبء هجمات المقاومة العراقية على قواتها، جلبت معها أعداد كبيرة من المرتزقة الأجانب، وتحولت بغداد إلى عاصمة عالمية لشركات الأمن الخاصة ومنها شركة "بلاك ووتر" والتي كانت تمثل غطاء لفرسان مالطا الصليبيين.
حيث كانت السياسة الجديدة لأباطرة الحرب في إدارة بوش الرئيس الأمريكي السابق هي "خصخصة الحروب" بهدف التغطية على خسائر الجيش الأمريكي، وأفضل الوسطاء هنا هم أحفاد الصليبيين القدامى والذين يتسترون تحت غطاء دولة وهمية تسمى بدولة "فرسان مالطا" ونشاطهم المعلن هو نشاط خيري، وعدوهم الأبدي هو الإسلام والمسلمون.
والعجيب أن "فرسان مالطا" هي واحدة من المنظمات التي وجهت لها أصابع الاتهام في أحداث قتل المتظاهرين إبان ثورة 25 يناير، حينما كان "عبد الفتاح السيسي" قائدا عاما للمخابرات العسكرية وقتها.
حيث أدلى قائد الحرس الجمهوري السابق "أيمن فهيم"، بشهادته في قضية "محاكمة القرن" مشيرًا إلى أن السيارتين الدبلوماسيتين المسروقتين، اللتين تم رصدهما تقومان بدهس المتظاهرين في محيط ميدان التحرير، كانت بقيادة أعضاء من "سفارة فرسان مالطا".
ما يعزز القول بأن تلك الدولة الوهمية هي الغطاء الدائم لعمليات قذرة يقوم بها جنود مرتزقة لصالح أجهزة استخبارات دولية.
في مصر
العجيب، أنه وبعد ثبوت تورط منظمة "فرسان مالطة" في أحداث قتل المتظاهرين المصريين، وأثناء تحقيق النائب العام الراحل "هشام بركات" في بلاغ حمل رقم 6212 لسنة 2014 يطالب بغلق السفارة لخطرها على الأمن العام، كان واحد من أولى قرارات قائد الانقلاب المصري "عبد الفتاح السيسي بعيد شهور قليلة من توليه الرئاسة عام 2014، قرارا جمهوريا يقضي بتعيين سفير غير مقيم لدى سفارة منظمة مالطة، هو السفيرة "وفاء أشرف بسيم" في إشارة لحرص كبير وغير مبرر من السيسي على إبقاء علاقات قوية ومتواصلة بين نظامه وتلك المنظمة المشبوهة، والتي عرفنا مؤخرا من خلال بيان سفاح نيوزيلندا، مباركتها لذبح المسلمين في المجزرة المروعة.
يبدو أن السيسي يصر على تحقيق مقولته، التي صرح بها في بداية انقلابه: من أن كل "اللي ما يرضيش ربنا"، هو معه، يدعمه ويؤيده!
المقال بقلم شيرين عرفة - مدونة مصرية
أضف تعليقك