﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27) ﴾ (إبراهيم).
آيتان من كتاب الله تبارك وتعالى في سورتَين منه: في الأنعام وفي هود، ظلَلْتُ أذكرهما منذ الحديث السابق إلى اليوم، فأحببتُ أن يشركني الإخوان الكرام في تذوُّق حلاوتهما وتدبُّر معانيهما، والعظة الكاملة بما فيهما، و﴿ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ﴾ (الأنفال: من الآية 7).
ذكرت الأولى في سورة الأنعام ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْجَاهِلِينَ (35)﴾ (الأنعام).
لقي الأخنس بن شريك أبا جهل في بدر في خلوة، فقال له: "يا أبا الحكم ليس ها هنا أحدٌ إلا أنا وأنت تسمع ما يقول.. أفتظن أن محمدًا كاذب وما عهدنا عليه كذبًا؟!"، فقال أبو جهل: "يا هذا إن محمدًا لصادق، ولكن إذا ذهبت قُصَيّ بالحجابة والسقاية والندوة والنبوة.. فما لسائر قريش؟!" فأنزل الله الآية الكريمة: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ﴾.
وكذلك الناس في كل زمان ومكان، هل يظن أحد في هذا الوادي أن دعوة الإخوان التي ترتكز على أصول الإسلام الحنيف، وهو دين الدولة والأمة دعوة باطلة أو كاذبة؟! لا، ولكن الأحزاب المستفيدة، والحكومات المتعاقبة، وأهل الجاه والسلطة يكرهون أن تقوم في الناس دعوةٌ تعلِّم الجاهلين، وتنبِّه الغافلين، وتأخذ بحقِّ المظلومين من الظالمين، وتقرّ العدالة باسم الله رب العالمين، ولو عقلوا لعلموا أنهم ناصروا دعوة الحق واعتنقوا فكرة الحق، قام سلطانهم على دعائم لا تزول ولا تحول، ولكن هكذا كان، ولله في خلقه شئون.
وذكرت الآية الثانية في ختام سورة هود قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَكُلاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ (122) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾ (هود).
فقلت ما أشبه الليلة بالبارحة..!! ﴿وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾، وهل خرجت دعوة الإخوان عن أنها الحق والموعظة والذكرى للمؤمنين؟!
فيا أيها الذين لا تؤمنون بها.. اعملوا على مكانتكم إنا عاملون، وانتظروا إنا منتظرون..
ويا أيها الإخوان المسلمون من المؤمنين بدعوة الإسلام والمجاهدين في سبيلها.. اعبدوا الله حقَّ عبادته، وتوكَّلوا عليه في كل شئونكم، وما ربكم بغافل عما تعملون ويعملون، ولله الأمر من قبل ومن بعد، ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم، واثبتوا على هذا الخبر اقتداءً بنبيكم والمرسلين من قبله، صلوات الله عليهم أجمعين.
ولا أحب أن أُطيل عليكم القول، فتذهب الإطالة بحلاوة الآيات الغنية عن الشرح والبيان لمن كان له قلب أو ألقَى السمع وهو شهيد.
-----
نشر في جريدة (الإخوان المسلمون) اليومية- السنة الثانية- العدد 597- ص 1 بتاريخ 29 جمادى الأولى 1367هـ= 9 أبريل 1948م).
أضف تعليقك